إسماعيل الحلوتي
كثيرا ما استوقفتني ظاهرة اعتماد بلادنا على نفس الوجوه في التناوب على المناصب والمسؤوليات، مما يجعلني وغيري مغاربة كثر نتساءل باستغراب شديد حول ما إذا فقدت نساء المغرب خصوبتهن وبتنا نعيش أزمة نخب، وأنه بدون فئة المحظوظين الحالية لا يمكن لأي كان الحلول مكانهم في تدبير الشأن العام وإدارة شؤون مختلف المؤسسات الوطنية، علما أن الفصل السابع من الدستور ينص على أن “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي،، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية”
ولعل من بين أبرز المظاهر التي توحي بأن المغرب يعيش فعلا أزمة حقيقية في النخب السياسية، هو اعتماد نفس الوجوه في التداول على المسؤوليات بمختلف القطاعات والمؤسسات والشركات، واللجوء أحيانا إلى الاستعانة بأبناء العائلات النافذة أو الشخصيات القريبة من دوائر القرار، حتى وإن كانت من خارج الأحزاب السياسية وتفتقر إلى التجربة والخبرة. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، تعيين محمد بنشعبون الوزير الأسبق للمالية وسفير المغرب في العاصمة الفرنسية باريس ومدير صندوق محمد السادس للاستثمار، رئيسا مديرا عاما لشركة “اتصالات المغرب” خلفا لعبد السلام أحيزون الذي قضى في ذات المنصب حوالي ربع قرن. وكذلك تعيين مهندس النموذج التنموي الجديد ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى مندوبا ساميا للمندوبية السامية للتخطيط يوم 18 أكتوبر 2024 خلفا لأحمد الحليمي علمي الذي قضى في المنصب أزيد من عشرين سنة، قبل حتى إجراء التعديل الحكومي الموسع الذي تم في: 23 أكتوبر 2024.
فهل يعقل والمغرب يزخر بالطاقات الشبابية ذات الكفاءة العالية، أن يستمر مثلا بعض الأشخاص على رأس أحزاب سياسية أو مركزيات نقابية لأكثر من ولايتين، كما حدث قبل أيام في أكبر وأقدم مركزية نقابية “الاتحاد المغربي للشغل”، حيث أعيد يوم الأحد 23 فبراير 2025 انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما لولاية رابعة. ناهيكم عن الأشخاص الذين يجمعون بين المناصب والمسؤوليات التمثيلية وفق ما ينص عليه القانون التنظيمي رقم 13.065؟ وهل من المقبول سياسيا وأخلاقيا أن تسند مسؤولية تدبير قطاع استراتيجي وحيوي من حجم قطاع التربية الوطنية إلى رجل أعمال لا يفقه شيئا سوى في صناعة الحلويات والأدوية بعيدا عن مجال التربية والمعرفة، ويتعلق الأمر هنا بوزير التعليم الجديد سعد برادة المقرب من رئيس الحكومة، الذي بدا تائها في أول خروج إعلامي له من داخل البرلمان، إذ عجز ليس فقط عن قراءة السؤال المكتوب له بالدارجة، بل حتى عن الرد على واضعيه، ملتمسا منهم تأجيل ذلك إلى حين أن تتكفل وزارته بالرد كتابيا؟ ثم هل بمثل هؤلاء النماذج من رجال الأعمال والتقنيين يمكن بناء الإنسان؟
هناك عدة نماذج من المحظوظين الذين أصبح ظهورهم عبر القنوات التلفزيونية يستفز المغاربة، ولاسيما أن المناصب التي شغلوها مازالت على حالها ولم يستطيعوا القيام بالإضافة المرجوة أو إحداث أي تغيير إيجابي فيها. ويتضح ذلك جليا من خلال المجالس المنتخبة والوزارات وغيرها فيما بتنا نشهده من ترد وسوء تدبير للشأن العام، حيث أصبحت الأحزاب السياسية التي يفترض فيها صناعة النخب وفق توجهات ومتطلبات النموذج التنموي الجديد من كفاءات قادرة على قيادة قطار التنمية في الاتجاه الصحيح، ترشح فقط الأعيان وتلك الكائنات الانتخابية التي تجعل من العمل السياسي مطية لبلوغ أهدافها وتحقيق مصالحها الشخصية والحزبية الضيقة والحصول على الامتيازات، عوض الاهتمام بمصالح الوطن وقضايا المواطنين.
فأين نحن اليوم أمام هذا الركود السياسي من وظيفة الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين والسعي الدؤوب نحو تنزيل مشاريعها المجتمعية وتحقيق برامجها الانتخابية والوفاء بوعودها، علما أنها تحصل على دعم سخي من المال العام لغرض النهوض بالعمل السياسي وترسيخ قيم النزاهة والاستقامة وتخريج الأطر والكفاءات الجديرة بتحمل المسؤولية والتدبير الجيد للشأن العام، بدل أن تتحول إلى “دكاكين انتخابية” لتوزيع التزكيات وتكريس الانتهازية؟ وليس هناك من دليل واضح على فشل الأحزاب في القيام بأدوارها خير مما يحدث اليوم من عزوف عن الانتخابات وضعف المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، مما يقتضي خلق دينامية جديدة من خلال الانكباب على تعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، باعتبارهم الأكثر قدرة على فهم مشاكل المجتمع ومتطلباته في الوقت الراهن، والحرص على تجديد أساليب وآليات اشتغالها بما يتلاءم مع مستجدات العصر.
إننا بالرجوع إلى عدد من الخطب الملكية السامية نجد أن ملك البلاد محمد السادس، طالما عبر عن عدم رضاه على النخب السياسية بوجه خاص، وعدم اقتناعه بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولم يعد يثق بعديد السياسيين. ودعا في أكثر من مناسبة إلى العمل الجاد على إغناء مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية بالوجوه الشابة ذات الكفاءة الوطنية العالية، وضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية.