وفاء و تحدي

بقلم ابو ايوب

واهم من يعتقد ان ما نشر على موقع وزارة الخارجية الامريكية بخصوص العرض المستفيض الذي قدمه تبون اما الوزير بلينكن هو تسريب ، بل هو في الاصل امر متعمد و مخطط له بتوافق و تنسيق بين المضيف و الضيف ، و هذا ما يشكل من حيث المضمون رسالة جزائرية للادارة الامريكية ، الغرض من وراءها التأكيد على الدور المحوري الذي تضطلع به الجزائر في ملفات الفضاء المغاربي بما يشمل مالي و دولة النيجر ، تجسيدا للرؤية المشتركة في التعامل مع قضايا شمال غرب افريقيا ، و اخص بالذكر محاربة التنظيمات الارهابية بدول الساحل و الصحراء .
الجزائر اليوم بقدر ما تتمسك باستقلالية قرارها السياسي ، بقدر ما ترفض الضغوط و الاملاءات مهما كان مصدرها . وفاءها للحليف التقليدي التاريخي روسيا و من بعدها الصين مكنها من اعادة تموضعها بقوة على مسرح الاحداث ، و هذا ما مكنها من رفع التحدي في مواجهة السياسات الغربية و التدخلات الاجنبية في الملفات الشائكة اقليميا و جهويا بما يشمل دول القارة السمراء ( محاربة النفوذ الفرنسي بكل من دولة مالي و النيجر و بوركينافاصو مثالا لا حصرا) .
اعادة تموقعها الافقي عربيا مكنها من ترأس لجنة الوساطة العربية ( الجزائر.مصر.السودان.الاردن.العراق.الجامعة العربية) في الازمة الاوكرانية الروسية، تموقع جسدته زيارة وزير الخارجية رمطان لعمامرة لروسيا مصحوبا بالوفد العربي المرافق له ، حيث استقبل الوفد من طرف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف و تمت مناقشة السبل الكفيلة لوقف الحرب بأوكرانيا . مباشرة بعد اللقاء طار الوفد العربي لملاقاة وزير خارجية اوكرانيا ، و لحدود الساعة لم يتضح بعد ما تم التوصل اليه من تفاهمات .
لكن الخبر المفاجئة ما اعلن عنه وزير الخارجية الروسي لافروف امام نظيره الجزائري عن رغبته في زيارة الجزائر قريبا ، متسائلا في نفس الوقت هل سيتم استقباله رسميا بارضية المطار ( اشارة لما وقع لانتوني بلينكن الذي لم يجد اي مسؤول جزائري في استقباله بمطار العاصمة ) ، فجاءه الرد سريعا من نظيره الجزائري الذي رحب بالزيارة المرتقبة معربا عن استعداد الجزائر لاستقباله حتى لو تصادفت الزيارة مع يوم الجمعة ( يوم عطلة بالجزائر).
اما الخبر الصاعقة الذي شكل اكبر تحدي للمنظومة الغربية و على رأسها امريكا ، الاعلان عن اجراء مناورات عسكرية مشتركة جزائرية روسية على الحدود الغربية للجزائر ، مناورات تشارك فيها مختلف القوات البرية الجوية الصاروخية شهر نونبر القادم بمناسبة العيد الوطني الجزائري ، و كأني بهذه المناورات جاءت كرد على مناورات الاسد الافريقي التي جرت اطوارها العام الماضي جنوب المغرب ، و هي المناورات التي عرفت عمليات محاكاة لتعطيل انظمة الدفاع الجوي بما يشمل منظومة صواريخ الاس300/الاس350/الاس400، فضلا عن كون المناورات الجزائرية الروسية رسالة تحذير مبطنة موجهة للمغرب و اسرائيل على حد سواء ، لا سيما بعد الاتفاقيات الامنية.الاستخباراتية.العسكرية التي ابرمت مؤخرا بين الجانبين بالعاصمة الرباط .
بهكذا ردود تكون الجزائر قد حسمت امرها و اعلنت رفضها للعقوبات الغربية على روسيا ، مقاربة برغماتية لن تصل حد الاصطفاف الكلي الى جانب روسيا ، و لن تؤثر سلبا على علاقاتها المتميزة و لا على شراكاتها الاقتصادية مع الدول الغربية الوازنة و في مقدمتها امريكا.المانيا.بريطانيا.ايطاليا بخاصة في موضوع الطاقة( النفط و الغاز ) ، لا سيما بعدما اكدت الوفاء بالتزاماتها مع شركاءها الاوروبين ، مستثنية اسبانيا التي من المرتقب مراجعة بنود الاتفاقيات الطاقية معها كرد على موقف رئيس حكومتها الاخير بخصوص النزاع على الصحراء.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *