استهتار أستاذ بمسؤوليته!

اسماعيل الحلوتي

على إثر استهتار أحد الأساتذة بمسؤوليته عبر تسريب نقط امتحان مادة الفيزياء والكيمياء الخاصة بالامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا برسم دورة يونيو 2023 العادية، وما أثار نشر تلك النقط على بعض المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي من ضجة إعلامية واسعة، أدت إلى التفاعل السريع للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش-أسفي، وإصدارها بلاغا توضيحيا في شأن الموضوع، وقيامها بتشكيل لجنة جهوية مختصة للبحث والتقصي في ملابسات الواقعة وترتيب الجزاءات.
وبعد أن أوضحت ذات الأكاديمية في بلاغ ثان لها بأن لجنة البحث والتقصي أفضت إلى نتائج مهمة، ساهمت في تحديد المسؤول عن لجنة التصحيح المعنية بحادث تسريب النقط، واتخاذها ما يلزم من إجراءات إدارية في حقه، ولاسيما منها تلك المرتبطة بإفشاء السر المهني، وفق المساطر القانونية المعمول بها. وأنها حرصا منها على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الواجبة لتأمين كل العمليات الخاصة بامتحانات البكالوريا، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحات والمترشحين خلال جميع أطوارها، قررت تطبيق أحكام الفصل 73 من الظهير الشريف رقم: 008.58.1 بتاريخ 4 شعبان 1377 الموافق ل(24 فبراير 1958) بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، عبر إحالة ملف الأستاذ/المتهم على أنظار المجلس التأديبي المختص لاتخاذ القرار المناسب.
وهو الحدث الصادم غوير المسبوق في تاريخ امتحانات البكالوريا بالمغرب، الذي غطى كثيرا عن الاختلالات الأخرى التي طالما رافقت سير الامتحانات الإشهادية وخاصة الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا، من قبيل تسريب مواضيع الامتحانات قبل انطلاق مواعيدها وحالات الغش وغيرها. وأثار جدلا واسعا ليس فقط في أوساط الأطر التربوية، بل تعداه إلى مواقع التواصل الاجتماعي والأسر المغربية، التي استنكرت بشدة هذا الفعل المتهور من طرف شخص يفترض فيه أن يكون أشد حرصا على سرية الامتحانات. حيث تساءل عديد الأساتذة والمراقبين عن دواعي هذه الخطوة غير المحسوبة العواقب، التي جعلت ذلك الأستاذ يقدم على نشر تلك النقط دون وازع أخلاقي أو تربوي؟ وأي ذبابة تلك التي لسعت الرجل وأفقدته توازنه الفكري؟
فالأستاذ هو قبل كل شيء موظف عمومي، يتمتع بوضعية قانونية ونظامية إزاء الأكاديمية الجهوية التابع لها إذا كان من الأساتذة المتعاقدين أو الوزارة الوصية. وكما أنه يستفيد من عدة حقوق، يتحمل كذلك وفي نفس الوقت مجموعة من الواجبات. حيث عمل المشرع المغربي من خلال النظام الأساسي للوظيفة العمومية والأنظمة الخصوصية على تحديد طبيعة هذه الحقوق التي يمكن إجمالها في الحقوق المادية مثل (الأجرة والترقية والمعاش…) والحقوق غير المادية (الرخص الإدارية والمرضية وغيرها). وقد حرص المشرع كذلك على تقسيم الواجبات إلى صنفين: واجبات مهنية وأخرى أخلاقية، ومنها واجب التحفظ وكتمان السر المهني وسواه…
بيد أن أستاذ جهة مراكش-أسفي بطل تسريب نقط اللجنة المكلف بتصحيح أوراقها، بدا واضحا أنه بارتكابه مثل هذا الخطأ الجسيم يجهل كليا القانون وحدود التزاماته المهنية، لذلك تم التعجيل بإحالته على المجلس التأديبي لاتخاذ القرار اللازم حتى يكون عبرة لكل من تسول له نفسه تجاوز المهام الموكولة إليه. ومن المؤكد أنه سيحال أيضا على أنظار المحكمة بذات الجهة من أجل تهمة “إفشاء السر المهني”، بسبب استهتاره بالمسؤولية الملقاة على كاهله. والحال أنه يفترض أن تظل نقط الأوراق المكلف بتصحيح في طي الكتمان، حيث أنه حتى لو افترضنا جدلا أن تسريب تلك النقط يندرج في إطار نوع من استنكار المعني بالأمر للمستوى المتدني لتلك المجموعة من المترشحين في مادته، لم يكن لديه الحق في الكشف عنها تحت أي ظرف، مادام هناك قنوات أخرى للتعبير عن ذلك بأريحية.
فالمعني بالأمر يعلم جيدا أن توزيع أوراق الامتحان على اللجن المكلفة بالتصحيح يتم دون انتقائية، وأنه لا توجد هناك أي إمكانية للمصحح في التعرف عن أسماء أصحابها، بالإضافة إلى أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تعتمد في ذلك على نظام تشفير معقد. ألم يكن حريا به عوض التشهير بتلك “النقط الهزيلة” أو السعي إلى إثارة البلبلة، التنديد بمن لا يرعوون في هدر الزمن المدرسي وتفويت الفرصة على تلامذتهم في التحصيل والاستيعاب، من خلال الإكثار من رخص “المرض” والانخراط في الإضرابات المتوالية؟ ثم ألا يعلم أن الفصل 466 من القانون الجنائي ألزم كل من عهد إليه سر بحكم مهنته أو وظيفته بكتمانه، وتقوم المسؤولية الجنائية إذا أفشى السر المعهود إليه بكتمانه، ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتي درهم إلى عشرين ألف درهم؟
إن ما يحدث من تجاوزات إدارية وفضائح أخلاقية في أوساط من تسند إليهم مسؤولية تدريس تلامذتنا، تكشف بجلاء عن فشل السياسات التعليمية المعتمدة من قبل الوزارة الوصية في ظل الحكومات المتعاقبة، مما يستدعي إعادة النظر في الشروط النظامية الخاصة بولوج مهنة التعليم، وضرورة إيلاء عملية التكوين ليس فقط البيداغوجي، بل والتشريعي أيضا للأساتذة أهمية بالغة، لاسيما أننا بحاجة إلى الأستاذ القدوة، الذي يعتبر حجر الزاوية في العملية التعليمية-التعلمية والدعامة الأساسية لكل إصلاح تربوي واجتماعي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *