عبد العالي حامي الدين وقضية حقوق الإنسان بين سقطة عزيز غالي  وصمت عبد الإله ابن كيران .. 

بقلم: عبد المولى المروري 
في الحقيقة لم تكن عندي رغبة في كتابة كلمة واحدة في هذا الموضوع نظرا لحساسيته، وعملا بتوجيه الأمين العام للحزب، بصرف النظر عن صوابية هذا التوجيه وسلامته.. وقلت ربما هناك اعتبارات لا يعلمها إلا أولي القرب من المصادر وراء ذلك التوجيه.. وقررت وضع مسافة بيني وبين الموضوع رغم صدور بيان الأمانة العامة للحزب الذي حاول الرفع – ولو نسبيا – من منسوب النضال من أجل الدفاع “بقوة وتفان” عن قضايا الوطن والمواطنين .. وأعتقد أن من ضمن هذه القضايا، قضية حقوق الإنسان..
والذي دفعني بقوة إلى الكتابة الآن هي السقطة المدوية التي وقع فيها الدكتور عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في لقاء صحفي مع الصحافي حميد المهداوي.. سقطة خطيرة جدا ما كان يجب أن يقع فيها شخص في وزن وقيمة عزيز غالي، المعروف بشجاعته وحكمته ومناصرته للحق، ودفاعه المعروف عن المظلومين.. فما الذي وقع؟ وكيف نفهم ذلك؟ 
ربما ما سأعبر عنه في هذا المقال قد لا يروق للكثيرين، ولكل أسبابه واعتباراته الخاصة في ذلك، ولكن يبقى دوري المتواضع هو إثارة جوانب أخرى ربما لن يفطن لها البعض، أو ربما يتردد آخرون في التصريح بها.. ورغم ذلك فإن الأمر يستدعي إثارة القراءات التي ستساعد على فهم أبعاد وخلفيات أخرى لم يتطرق إليها أحد، ولابد أن نواجهها بكل شجاعة ووضوح.. 
1/ الحقيقة واضحة: 
إن الخصومات الكيدية والخلافات الإيديولوجية والحسابات السياسية تقف حائلا أمام القبول بالحقيقة، وتكون حاجزا قويا أمام الإنصاف والانتصار للحق والعدل.. وهذا أمر مؤسف ومحزن، وفي الوقت نفسه يعبر عن غباء كبير في جانب، وسذاجة مفرطة إذا اقترن بحسن نية، إلا أن ذلك يعتبر جريمة نكراء إذا اقترن بوعي وإدراك من طرف أصحابه..
وهنا لن أناقش القضية في جوانبها القانونية، لسبب بسيط هو أن براءة عبد العالي حامي الدين لا تخطؤها العين.. كما تؤكد ذلك الوقائع التي يشهد بها التاريخ والنزهاء من الناس، أما إعادة إحياء الملف من جديد فتلك خطيئة تعد من الكبائر القانونية والقضائية التي – للأسف الشديد – ستلوث التاريخ القضائي للمغرب إذا لم يتم تدارك الأمر مستقبلا.. وهذا كلام المتخصصين في القضايا الجنائية لا يُشك في كفاءتهم ولا في نزاهتهم ولا في مصداقيتهم ولا في نضالهم التاريخي.. 
فالنضال الحقوقي يفسد بين الصراعات الإيديولوجية المسكونة بالحقد الذي يعمي البصائر والقلوب، ويضيع في متاهات الحسابات السياسية التافهة المكبلة بحبال التوافقات والتقديرات التي ألجمت الأفواه وتشبكت في أوهام السياسيين.. فأصبح العمل الحقوقي بلا تأثير .. بلا رؤية.. بلا بوصلة .. والأخطر من ذلك أنه أصبح بلا ضمير .. 
2/ سقطة عزيز غالي الخطيرة وهيمنة الإيديولوجي على الحقوقي: 
آلمني كثيرا أن يقع مناضل كبير من العيار الثقيل في هذه السقطة الرهيبة، وهو يعلم يقينا أن هذا الملف الذي انتهى بحكم نهائي، وحائز لقوة الشيء المقضي به، واستنفذ كل مراحل التقاضي، وأخذ صاحبه مقررا تحكيميا من هيئة الإنصاف والمصالحة التي يدافع المناضل عزيز غالي على احترام وتفعيل كل توصياتها .. وأن هذا الملف كان موضوع حفظ سابق لعدة مرات من طرف المحكمة.. وأنه طاله التقادم الجنائي، فضلا عن اضطراب وتناقض شهادة الشاهد (الخصم).. وغير ذلك من الحقائق الساطعة التي تستلزم وضع حد لهذه العبثية.. ويعلم أن هذا الملف تم تحريكه لأهداف سياسية محضة .. وأن من كان وراءه جهات من الدولة العميقة(التي يعارضها الحقوقي عزيز غالي) وذلك بتجنيد المسمى إلياس العماري وحزب الأصالة والمعاصرة.. الأمر الذي يفسر أن السيد عزيز غالي تحالف موضوعيا مع الدولة القمعية التي يعارضها في كل مناسبة وفي غير مناسبة، ضد عبد العالي حامي الدين من أجل إعادة تربيته والانتقام منه، هذه الدولة التي تصنع ملفات جنائية من أجل معاقبة المناضلين والحقوقيين الشرفاء والمزعجين لها .. كما لا يخفى على عزيز غالي.
من المعلومات المؤكدة أن العديد من أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ضد هذه المتابعة الكيدية، ومن ضمنهم محامون عرفوا بصدقهم ونزاهتهم، وأخص بالذكر هنا الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو.. والجمعية في هذا الصدد منقسمة في العديد من القضايا الحقوقية التي استهدفت فيها الدولة بعض الشخصيات المعروفة، وهذا الانقسام مرده إلى أسباب إيديولوجية بالأساس، ففي داخل الجمعية من يمارس العمل الحقوقي بقواعده وأخلاقه النضالية ومشهود لهم بذلك، ومنهم البعض من ارتهن إلى الخلفيات والمنطلقات الإيديولوجية كمحدد رئيسي في تحركه الحقوقي ولو على حساب الحق والعدل.. وهذا أخوف ما أخافه على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عندما يصبح المعيار الإيديولوجي محددا في الدفاع عن حقوق الإنسان.. فكيف ارتضى المناضل عزيز غالي أن يقع في فخ الإيديولوجيا على حساب النضال الحقوقي النزيه والانتقام من شخصية حقوقية معروفة، يتقاسم معه هم الدفاع عن حقوق الإنسان بكل جدية وإخلاص،  ويشاركه الرغبة في محاربة الفساد والاستبداد، ويناضل إلى جانبه من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. ؟
4/ الدرهم الرمزي، أو الدرهم الملغوم: 
لا يخفى على كل متتبع حقوقي  سياسي عُمْق الصراع الدائر بين الدولة ومحاكمها والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ولطالما كانت الجمعية تشكك في نزاهة القضاء وأحكامه، ولطالما أصدر القضاء أحكاما جنائية في حق الجمعية ومناضليها التي اعتبرتها ظالمة وغير قانونية وغير ذلك من المواقف التي تشهد بها بيانات وبلاغات الجمعية.. وكما تعتبر الدولة أن هذه الجمعية معادية للوطن وللوحدة الترابية، وأغلقت مقراتها وضيقت على أنشطتها ومواردها المالية.. إلا أنه وفي تحول مفاجئ وبقدرة قادر وفي ملف عبد العالي حامي الدين وثقت الجمعية في القضاء وانتصبت طرفا مدنيا أمام محكمتها، واستجابت المحكمة لطلبها وحكمت لفائدتها بدرهم رمزي!! 
هذا التطور المفاجئ في لغة التماهي بين الدولة وفئة معينة من أعضاء الجمعية يطرح العديد من الأسئلة، والتحالف الموضوعي بين الدولة وفئة من أعضاء الجمعية ظهر جليا في هيئة الدفاع التي كانت تنوب عن الطرف المدني، لأن تلك الهيئة وفي تناغم عجيب وهجين تكونت من محامين محسوبين على الدولة،ومحامين محسوبين على الجمعية! لا أدري كيف تم ذلك، والعداوة مستحكمة بين الطرفين، وواضحة وجلية! ولغة التماهي وخطاب الغزل ظهر واضحا خلال المرافعات والتصريحات التي تثني على القضاء الذي كان بالأمس موضوع تشكيك وانتقاد!
فكيف اعترفت المحكمة (الدولة) بالجمعية التي كانت تشكك في وطنيتها؟ وما خلفية الاستجابة لمطالبها والحكم لها بدرهم رمزي؟ هل لهذا الدرهم أهداف أخرى غير معلنة قد تضر بالجمعية مستقبلا؟ أم هي أهداف ترمي في اتجاه استدراج الجمعية لمصالح مشتركة مرتقبة في المستقبل؟ الأيام والمواقف وحدها الكفيلة بكشف النقاب؟ 
5/ صمت عبد الأله ابن كيران وهيمنة السياسي على الحقوقي:
لقد سبق أن كتبت موضوعا تحت عنوان #حقوق_الإنسان_في_اهتمامات_ابن_كيران، تفضلت بنشره العديد من الجرائد الإلكترونية، وما أزال مؤمنا بكل ما جاء فيه، وهذه مناسبة للمزيد من التفصيل والتوضيح.. 
ولكن في البداية يستدعي الأمر التنويه بالبيان الذي أصدرته الأمانة العامة عقب صدور حكم الإدانة، وإني أتبنى كل ما جاء فيه، لأنه يعبر عن قناعتي وموقفي من هذه القضية، وخاصة تلك الفقرة الأخيرة التي تدعو مناضلي الحزب إلى مواصلة النضال من أجل الدفاع عن الوطن والمواطنين.. 
وإذا كان هذا البيان يتضامن مع الدكتور عبد العالي حامي الدين بصفته عضوا وقياديا في الحزب، فإنه يتضامن معه كذلك بصفته مواطنا مغربيا يتعرض لمؤامرة خبيثة تستهدف حريته وسمعته، وهذا ما تفسره وتؤكد عليه الفقرة الأخيرة من البيان.. وانسجاما مع ذلك، وتفعيلا لذلك التوجيه، فعلى الحزب بجميع مناضلين أن يدافعوا على كل المواطنين الذين تعرضوا ويتعرضون لمثل ما تعرض له عبد العالي حامي الدين، فإذا دعى الحزب مناضليه للدفاع عن المواطنين، وهي دعوة محمودة ومشكورة، فقطعا أن المقصود هو عموم المواطنين وليس أعضاء الحزب فقط، وليس فئة محظوظة من قيادات الحزب حصرا، فهل نجد لهذا التوجيه وجودا في واقع الحال؟
هذه من جملة القضايا المهمة التي أستدركها على الحزب، والتي أسجل غيابه الكبير وغير المبرر فيها، فكما سجل الحزب حضوره وموقفه في قضية حامي الدين باعتبار أن هذا الأخير تعرض لظلم ومؤامرة، فلماذا لا يقوم بالواجب نفسه مع قضايا حقوقية أخرى همت أناسا معروفين بمواقفهم السياسية وأعمالهم الصحفية ونضالاتهم الحقوقية الذين لم يسلموا من ظلم ومحاكمات غابت عنها شروط المحاكمة العادلة؟ والأمثلة هنا كثيرة جدا، والتي أكدت معها العديد من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية وقوع انتهاكات خطيرة شابت تلك المحاكمات.. 
لماذا لم يسجل الحزب أي موقف أمام قضية سليمان الريسوني الذي فضح مسيرة ولد زروال، وعمر الراضي الذي كشف لائحة خدام الدولة، وتوفيق وبوعشرين الذي كشف سرقة التوقيع الذي يهم صندوق التنمية القروية ودفاعه عن تجربة الحزب خلال البلوكاج؟ وناصر الزفزافي ورفاقه الذين كانت لهم مطالب اجتماعية، والدكتور محمد باعسو من جماعة العدل والإحسان، وتشميع بيوت قادة الجماعة، والنقيب محمد زيان، والمدونة سعيدة العلمي واللائحة تطول.. ؟ أليسو هم أيضا مواطنون تعرضوا لمحاكمات أكدت التقارير أنها لم تكن عادلة؟ 
فإذا كانت سقطة عزيز غالي ومن وراءه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بدوافع إيديولوجية، فإن صمت عبد الإله ابن كيران ومن وراءه حزب العدالة والتنمية كان لأسباب سياسية في نظري، الهدف من وراء ذلك تفادي الاحتكاك والتماس مع الدولة في قضايا حارقة قد تسبب توترات غير معروفة النتائج، تحت ذريعة عدم التدخل في أعمال القضاء تجنبا للاتهام بالتدخل والتأثير عليه.. 
ما يجب معرفته أن النضال الحقوقي لا يتجزأ، ولا يؤمن بالانتقائية أو الحزبية، لأنه وُجِد من أجل الإنسان كإنسان، وليس لأن المعني به ينتمي إلى حزبي أو جمعيتي أو قبيلتي .. فإذا ارتبط النضال الحقوقي بالانتماء السياسي أو الإديولوجي، أو أُخضع للحسابات والتوافقات السياسية، فَقَدْ فقدَ معناه، وانتهى دوره، وتعطلت رسالته.. وأصبح عملا بروتوكوليا بلا روح وبلا رسالة.. 
كنت أعلم أن الحزب قد عقد أمله على حصول حامي الدين على حكم يبطل هذه المتابعة الجديدة من الأساس، وهذا هو الصواب، أو على الأقل على حكم البراءة، وذلك أضعف الإيمان،  ولكن ما يجب استيعابه أن قضية عبد العالي حامي الدين ليست هي قضية العربي بلقايد، فالأولى سياسية محضة، والثانية تدبيرية محضة، ولو أن كلاهما بدوافع انتقامية محضة، ولأن الدولة قد تتغاضى وتتسامح في الثانية، لكنها لا تتغاضى ولا تتسامح في الأولى، بل تذهب إلى أبعد نقطة ممكنة.. كقاعدة عامة يجب حفظها عن ظهر قلب: لا تسامح ولا تساهل مع الآراء والمواقف المزعجة، ولا مشاحة ولا متابعة في بعض الأخطاء التدبيرية (علما أنني أنزه الأخ العربي بلقايد مما نسب إليه)، ففي الملفات التدبيرية العادية قد يكون القضاء منصفا ومستقلا إلى حد بعيد، ولكن في القضايا السياسية لا وجود لذلك أبدًا..
6/ من أجل تحرير النضال الحقوقي من سجن الإيديولوجي وحسابات السياسي: 
لابد من التأكيد أولا أنه لا إصلاح سياسي بدون انفراج حقوقي، لأن ما يعيشه المغرب من تأزم سياسي هو امتداد طبيعي لحالة الاختناق الحقوقي وقمع الحريات.. فعلى الفاعلين السياسيين والحقوقيين إدراك هذه الحقيقة والعمل بمقتضاها.. 
كان من المفترض أن يكون هناك حوار جاد ومسؤول بين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، بحضور محاميين وقانونيين ذوي نزاهة ومصداقية غير مشكوك فيها، للوقوف على كل جزئيات وتفاصيل الملف، وتخليصه من العوالق الإيديولوجية التي شوشت على الجمعية المغربية، وكان على منتدى الكرامة أن يأخذ بزمام هذه المبادرة بكل شجاعة وجرأة، كي لا تسقط الجمعية في مهاوي المواقف الإيديولوجية، وتدخل في صراع مجاني مع حليف حقوقي، لن تستفيد منه إلا الدولة العميقة على حساب النضال الحقوقي المشترك، ولكن يبدو أن منتدى الكرامة فوت هذه الفرصة بعد أن دخل في غيبوبة نضالية وموت سريري بفعل فاعل بعدما قدم حامي الدين استقالته من رئاسته، وهذا موضوع آخر. ويجب أن تفتح مبادرة الحوار الجاد والمسؤول بين التنظيمين الحقوقيين مع ضرورة التخلص من كل العوالق الايديولوجية، والاستعانة بكبار المحاميين والقانونيين المغاربة، لوضع حد لاستغلال وتوظيف الدولة لهذه الخصومة الوهمية، والوقوف على الحقائق والوقائع بكل شجاعة ومسؤولية، مع إعمال النصوص القانونية ذات الصلة بهذه القضية، وبالتالي يمكن للجمعية أن تحدد الموقف الذي ينسجم من ضميرها ونضالها الحقوقي على قواعد النزاهة والشرف.. 
وعلى حزب العدالة والتنمية أن يأخذ ملف حقوق الإنسان بما يقتضيه الواجب من مسؤولية أخلاقية وشجاعة سياسية، بعيدا عن داء الحزبية ومرض الانتقائية السياسية، فكل مواطن مغربي مظلوم هو قضية إنسانية في حد ذاته، مهما كان انتماؤه وحزبه وتوجهه السياسي أو الإيديولوجي، فالإنسانية فوق الحزبية، والقضية الحقوقية فوق الانتقائية السياسية.. والأجدر أن يكون مناضلو حزب العدالة والتنمية في مقدمة الصفوف الأمامية للدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المواطنين، وليسوا جالسين في المنصات الحزبية مثل الجماهير، يتفرجون على كل هذه الانتهاكات دون فعل أو عمل أو نضال ميداني، فالمواقف الحقوقية لا تكون بالتعاطف والوجدان، بل في الواقع والميدان..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *