أحداث أمنية تزامنت مع عيد العرش

عبد المولى المروري 
ثلاثة أحداث غريبة تزامنت مع عيد العرش الرابع والعشرين، لا أدري هل هذا التزامن مقصود من طرف الدولة؟ أم إن ذلك مجرد «صدفة» تزامنت مع عيد العرش دون قصد أو تخطيط؟ 
للأسف الشديد هذه الأحداث ذات طابع أمني صرف، تمثلت في اعتقالات ومتابعات ومحاكمات جديدة وواسعة، في وقت كان الجميع يتوقع، أو ينتظر، أو يأمل إصدار عفو شامل بهذه المناسبة. وبصرف النظر عن كونها تزامنت مع عيد العرش عن قصد أو بدون قصد، فإنها تحمل دلالات خطيرة عن المرحلة المقبلة، وتعطي تصورا مستقبليا عما ينتظر المغاربة من واقع تتم الإشارة إليه بهذه الاعتقالات، ووضع يتم ترسيخه من خلال هذه المحاكمات.. فما هي هذه الأحداث؟ وما هي الدلالات التي تحملها، والإشارات التي ترسلها؟ 
الحدث الأول: اعتقال ومتابعة خمسين شخصا بدعوى مكافحة الإرهاب.. 
إن اعتقال ومتابعة هذا العدد الكبير في تزامن عجيب مع عيد العرش لا يمكن أن يمر دون طرح تساؤلات عن أسبابها ، ووضع تكهنات عن مآلاتها، خاصة مع اقتراب ذكرى 11 شتنبر الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 (كما نبهني إلى ذلك أحد الأصدقاء). هل الهدف من هذه الاعتقالات هو إرسال رسائل مباشرة وواضحة إلى حلفاء المغرب (أمريكا والكيان الصهيوني) بأنه ما يزال وفيا لنهجه وانتماءه الكامل إلى حلف مكافحة «الإرهاب» بقيادة أمريكا، ووفق التصور الأمريكي/الصهيوني؟ وأن ذلك يدخل ضمن اهتمامات وأولويات الجالس على العرش؟ وأن هذه الحرب ما تزال مفتوحة ومستمرة على «الإرهاب» مما يستدعي المزيد من التمويل الأمريكي ماليا ولوجستيكيا، إضافة إلى ضرورة الدعم الأمريكي الصهيوني لقضايا المغرب، ولا سيما قضية الصحراء المغربية؟ 
هل العدد الكبير من المعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب يريد أن يقول إن «الإرهاب» ما يزال موجودا ومستمرا؟ وإن خطره ما يزال قائما، وإن تهديده لا يقف عن الداخل المغربي، بل يمكن أن يصل إلى قلب أوروبا؟ الأمر الذي يستدعي من الدولة المغربية مواصلة التحلي باليقظة والاستعداد الدائم والمستمر؟ وهذا يستوجب ضرورة دعما أوروبيا وأمريكيا؟ 
وهل تزامن هذه الاعتقالات واقترانها بعيد العرش تعني أن محاربة «الإرهاب» وفق المنظور الأمريكي تحظى بعناية ملكية خاصة؟ فإذا كان الأمر كذلك، فما هو المقابل السياسي والاقتصادي والأمني الذي من المنتظر إن تستفيد منه الدولة المغربية في مقابل ذلك؟
من أكبر التخوفات التي فرضت نفسها على الساحة الأمنية والحقوقية المغربية أن تكون هذه الاعتقالات بهذا العديد الكبير مدخلا جديدا وخطيرا إلى مرحلة أمنية وحقوقية أكثر تأزما وأخطر تراجعا، وأن تتوسع هذه الحملات على غرار ما وقع عقب أحداث 16 ماي الإرهابية وما رافقها من انتهاكات حقوقية، واعتقالات تعسفية، ومحاكمات صورية، وأحكام قاسية.. ما تزال آثارها الأليمة ومآسيها الاجتماعية والنفسية حية في نفوس وقلوب العديد من ضحايا تلك المرحلة، والتي اعترف فيها ملك البلاد بوقوع تجاوزات كبيرة..
الحدث الثاني: متابعة ثمانية عشر شخصا بدعوى التشهير وسب وقذف فوزي لقجع.. 
فرغم أن هناك أخبار بتنازل فوزي لقجع عن شكايته التي وضعها في مواجهة مجموعة من رواد الفيسبوك وبعض المدونين الذين أحدثوا صفحة على الفيسبوك تتهم رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم بالفساد، فإن إحالة الملف على الفرقة الوطنية من أجل القيام بالأبحاث الضرورية، وإحالة الملف على النيابة العامة بمحكمة الدار البيضاء، ومتابعة تلك المجموعة بتهم لها علاقة بالتعبير عن الرأي، كل ذلك يضع أكثر من علامة استفهام على مستقبل حرية الرأي في علاقته بالشخصيات العمومية التي تدبر الشأن العمومي الممول بدافعي أموال المغاربة، خاصة تلك الشخصيات التي أصبحت ملء السمع والبصر، وتحظى باهتمام إعلامي رسمي أستثنائي، لم يحظ به أي مسؤول سياسي أو إداري سابق.. فضلا عن تزامن هذه المتابعة من احتفالات عيد العرش أيضا.. 
إن عملية استدعاء ومتابعة 18 مغربيا على خلفية كتابة تدوينات تنتقد بعض أعمال فوزي لقجع بصفته رئيسا للجامعة الملكية لكرة القدم أمر في منتهى الغرابة.. وتأتي هذه الغرابة من استنفار جهاز الفرقة الوطنية برمته من أجل الوصول إلى أصحاب صفحة: #لقجع_فاسد، والسرعة والفعالية التي تمت بها العملية.. ثم وضع النيابة العامة يدها على الملف من أجل الخروج بصك الاتهام تزامنا مع احتفالات عيد العرش!! 
ومن جهة أخرى، هل هناك رسالة ما يجب أن تصل إلى كافة المؤثرين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي تتضمن تحذيرا من أي اقتراب أو التجرؤ على شخصيات بعينها؟ هل تريد أن تقول هذه الرسالة أن بعض المسؤولين أصبحوا فوق النقد وأكبر من المساءلة الشعبية، ولابد أن ينتبه المتهورون من المدونين إلى خطورة ذلك؟ هل متابعة 18 مدون مغربي بسبب جرأتهم على فوزي لقجع يؤكد نظرية #البنية_السرية التي يروج لها بعض الصحافيين والمعارضين في الداخل والخارج، وأهمهم المعطي منجب ومحمد زيان وعلي لمرابط؟ 
إن ما يبعث على الاستغراب هو حجم المتابعة والتغطية الإعلامية الرسمية وغير الرسمية التي يحظى بها كل من فوزي لقجع وعبد اللطيف الحموشي مدير الأمن الوطني، اهتمام استثنائي لم يحظ به أي مسؤول سياسي أو أمني قبلهما!! فما هي خلفيات هذا التركيز الإعلامي الاستثنائي؟ وما هي الرسائل التي يحملها معه إلى الرأي العام، خاصة فئة الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين المتمردين؟ وإذا صحت نظرية #البنية_السرية، فهل هذا الاهتمام المنقطع النظير إيذان بانتهاء مرحلة سرية هذه البنية والكشف عن وجهها، وفرض واقع أمني وسياسي لن تقوى أي جهة على انتقاده أو معارضته؟ 
الحدث الثالث: اعتقال ومحاكمة سعيد بوكيوض بدعوى الإساءة إلى الملك.. 
بسرعة مذهلة تم اعتقال ومحاكمة المدون سعيد بوكيوض، والحكم عليه بخمس سنوات حبسا نافذا بتهمة الإساءة إلى الملك، هذا ما نشره الإعلام! إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد على الأمر يتعلق بانتقاده ومعارضته اتفاقية التطبيع التي وقعها المغرب مع الكيان الصهيوني/اليهودي سنة 2020، بكتابات ربما كانت قاسية وشديدة اللهجة، ومن باب الموضوعية فإني لم أطلع عليها حتى أخرج بموقف أو رأي قانوني إزاءها. 
إلا أن تزامن هذه القضية مع احتفالات عيد العرش فتح المجال أيضا للتساؤل، هل كان ذلك فعلا بمحض الصدفة؟ أم إن الأمر يتعلق بتوجيه رسائل واضحة لمعرضي التطبيع من المغاربة من أجل تحذيرهم من مغبة مناهضة التطبيع وفضح خلفياته وخطورته على القضية الفلسطينية والشعب المغربي، وكذا إلى الكيان الصهيوني من أجل طمأنته على مستقبل هذا التطبيع في المغرب والسهر على الاستمرار فيه رغم أنف المغاربة حتى تحقيق جميع نتائجه؟ هل هي رسالة مفادها أن قضية التطبيع شأن ملكي خالص محظور عن أي شخص أو جهة الخوض فيه؟ وهل هذا ما يفسر التوجيه الذي وجهه أمين عام حزب العدالة والتنمية لأعضاء الحزب لمنعهم من الخوض في مسألة رسالة بنيامين نتنياهو إلى ملك المغرب؟
لقد كان التطبيع من قبل جريمة سياسية تقوم به الأنظمة والحكومات بسرية تامة مخافة افتضاح أمرهم، وتهربا من نيل غضب شعوبهم، وما يخلفه ذلك من الإساءة إلى سمعتهم ورمزيتهم، وكان سببا قويا في خروج المعارضين والمناهضين إلى الشارع، والهتاف بأعلى الأصوات تنديدا بالتطبيع الذي كان يصل إلى مستوى الخيانة (التطبيع خيانة)، فهل أصبح مناهضة التطبيع  – في العهد الحالي – جريمة تندرج في إطار جرائم الحق العام، تضع صاحبها موضع المتابعة والمحاكمة؟ وهل أصبح التطبيع مفخرة تتباهى به الأنظمة والحكومات، وتتسابق من أجل توقيعه دون خجل أو حياء..؟ 
 أحداث ثلاثة ذات بعد أمني وحقوقي تزامنت واقترنت باحتفالات المغرب بعيد العرش الرابع والعشرين، هل معنى ذلك أن المرحلة المقبلة من الحكم ستكون هذه ميزتها وسمتها؟ أتمنى أن تكون كل تساؤلاتي غير ذات موضوع، وكل تكهناتي خاطئة وضرب من الخيال .. أتمنى ذلك ..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *