هذا الغرب المتجبر والمنافق!

اسماعيل الحلوتي 

من الوهم استمرار البعض منا في الاعتقاد الخاطئ بأن الغرب حريص وفق ما يزعم كبار ساسته على أن تعم الديمقراطية واحترام القوانين وحقوق الإنسان جميع بلدان العالم، وخاصة منها البلدان العربية والإسلامية. إذ طالما أثبتت الكثير من التجارب الإنسانية والوقائع والأحداث الدولية زيف ادعاءاته، ويتضح ذلك جليا عندما يستعمل ملفات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية من أجل الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي لتحقيق مكاسب لفائدته، واعتماده سياسة الكيل بمكيالين في عدة قضايا، ولاسيما حين يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي/الفلسطيني المستمر على مدى عقود، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بإنهائه على المديين القريب والمتوسط.
ويأتي حديثنا هنا عن تجبر الغرب ونفاقه ليس فقط بسبب انحياز وسائل الإعلام الأوربية والغربية لإسرائيل في حربها الغادرة على الفلسطينيين في غزة والضفة، التي لا تفرق بين البشر والحجر والشجر، مخلفة آلاف الشهداء والمصابين غالبيتهم من الأطفال والنساء والمرضى في المستشفيات، دون أن يجد المتابع مكانا ولا صدى لهذه الصور والمشاهد الموجعة والمروعة في هذه الوسائل الإعلامية العالمية، ولا أدنى إشارة من قبل من يسمون أنفسهم بالمراسلين الحربيين الذين يقومون بتغطية هذه الحرب الهمجية، التي يخوضها جيش الاحتلال الصهيوني تحت شعار “السيوف الحديدية” في رده على الهجوم الذي نفذته حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى ضد مستوطنات غلاف غزة صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023 تحت اسم “طوفان الأقصى”، الذي خلف أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى والإسرائيليين.
بل كذلك جراء ما بات يواجه عدد من نجوم الرياضة عبر العالم مغاربة وعرب على وجه الخصوص من مضايقات وحملات إعلامية هوجاء وتهديد بالطرد من أنديتهم الرياضية خلال هذه الأيام، لا لشيء سوى أنهم أعلنوا دعمهم الصريح للقضية الفلسطينية وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني عامة والغزاويين خاصة، الذين يتعرضون لحرب إبادة جماعية من قبل جيش الاحتلال الصهيوني الذي يكاد لا يتوقف لحظة واحدة عن القصف الجوي الجنوني، دون اكتراث بما يترتب عنه من تدمير للبيوت السكنية والمدارس والجامعات ودور عبادة والمستشفيات وتطهير عرقي، في تعارض صارخ مع القانون الدولي الإنساني.
فكيف لا يهب هؤلاء المغاربة والعرب إلى نصرة إخوانهم الفلسطينيين في محنتهم الطويلة والمكلفة، ويؤكدون دعمهم الكامل لحقهم في استرجاع أرضهم السليبة، متمنين النصر للمقاتلين الأشاوس من حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المجاهدة؟ بيد أن المثير للاستغراب هو أن يكلف هذا التضامن بعض اللاعبين ثمنا باهظا إن على المستوى المادي أو المعنوي، حيث لم تتأخر الآلة الغربية الصهيونية في تهديدهم بالطرد من الفرق الكروية التي ينتمون إليها، ما لم يسارعوا إلى حذف تعليقاتهم من صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أو الاعتذار عما سبق لهم كتابته. فأين نحن إذن من الديمقراطية وحرية التعبير والرأي، اللتين طالما صدع بهما الغرب المنافق رؤوسنا في عديد المناسبات؟
وفي هذا الصدد نجد مثلا أن نصير مزراوي اللاعب المتميز في المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم والمدافع في صفوف النادي البافاري الشهير “بايرن ميونيخ”، يتعرض ليس فقط لهجوم الإعلام الألماني، حيث علقت صحيفة “بيلد” “أنصار الإرهاب فوق الملعب؟ إنه أمر لا يطاق!” وما إلى ذلك من التهديدات بالإبعاد عن اللعب في الدوري، بل وللمساءلة أيضا من قبل ناديه بشأن منشوره، بعد أن نشر في وقت سابق مقطع فيديو عبر خاصية القصص (stories) على حسابه الخاص بموقع إنستغرام، متمنيا النصر للشعب الفلسطيني على “إسرائيل” إذ كيف لا تتم محاسبته على أقواله، من طرف ناديه الذي كتب على منصة “إكس” بأنه يشعر بالقلق حيال أصدقائه في إسرائيل بعد هجمات “حماس” عليها؟
كما أن اللاعب الفرنسي المتميز كريم بنزيما الحائز على جائزة الكرة الذهبية عام 2022 الذي انضم في هذا الموسم الرياضي 2023/2024 لنادي الاتحاد السعودي، لم يسلم هو الآخر من اتهامات باطلة بعد الإعلان عن دعمه للمقاومة الفلسطينية الباسلة ضد قوات الاحتلال الصهيوني، حيث أن وزير الداخلية الفرنسي “جيرالد دارمانين” ادعى أن له علاقة مباشرة مع جماعة الإخوان المسلمين ويسعى إلى تطبيق الشريعة التي تنص على الجهاد، فيما وجه له السياسي الفرنسي اليميني المتطرف “إريك زمور” الاتهام بعلاقته مع الشخص الذي قتل المدرس الفرنسي “دومينيك بيرنارد” في هجوم استهدفه بمدرسة “غامبيتا”.
وهناك عدد من اللاعبين الآخرين الذين منهم من تعرض للمساءلة من قبل إدارة أنديتهم ومنهم من اتخذ في حقهم قرارات بالتوقيف والإبعاد من أنديتهم الرياضية، دون أن يهب الإعلام الغربي للدفاع عنهم، مما يكرس سياسة ازدواجية المعايير لدى الغرب المنافق، الذي يرى في المجازر التي يقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود في حق الشعب الفلسطيني الأعزل دفاعا عن النفس والوطن “إسرائيل”، بينما يعتبر الفلسطينيين بمختلف فصائلهم الذين يكافحون من أجل نيل حقوقهم الوطنية المشروعة واسترداد أرضهم المغتصبة، مجرد مجموعات إرهابية خارجة عن القانون..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *