من يؤجج احتجاجات الشغيلة التعليمية؟!

في الكثير من المناسبات والأحيان، يقف المواطن المغربي مستغربا وعاجزا عن تفسير مجموعة من الإجراءات والقرارات، التي يتخذها بعض المسؤولين في الحكومات المتعاقبة دوان أدنى مراعاة للظروف الصعبة، مما يساهم بقسط وافر في تأجيج الغضب والرفع من منسوب الاحتقان الشعبي، ويثير ردود أفعال ساخطة، كما هو الحال بالنسبة لما أقدمت عليه وزارة التربية في خضم الغليان القائم داخل الساحة التعليمية، بسبب رفض الشغيلة التعليمية القاطع للنظام الأساسي الجديد المصادق عليه في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 27 شتنبر 2023، الذي جاء محبطا ومخيبا لآمالها ولا يرقى إلى مستوى آمالها…
ذلك أن وزارة التربية الوطنية أبت إلا أن تصب الزيت على النار، من خلال إقدامها على إصدار مذكرة وزارية تحت رقم 23/1293 بتاريخ 15 نونبر 2023، موجهة لمديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديرين الإقليميين، تهدف إلى تنزيل خدمة الرسائل النصية بمنظومة مسار، في إطار تفعيل للمذكرة الوزارية عدد 20-47 المتعلقة بتفعيل أحكام القانون الإطار 17-51 لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وخاصة الشق المتعلق بالمشروع رقم 18 الذي يهم تعزيز منظومة الإعلام.
حيث أن الوزارة الوصية طالبت في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر منها الساحة التعليمية، المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية بدعوة مديرات ومديري المؤسسات التعليمية العمومية، إلى العمل على مسك وتحيين أرقام هواتف التلميذات والتلاميذ وأولياء أمورهم بمنظومة مسار، وفي ذات الوقت أرقام هواتف الأستاذات والأساتذة بمنظومة (RH-ESIS)، بالإضافة إلى القيام بحملات تواصلية وتحسيسية على مستوى المؤسسات التعليمية العمومية، لفائدة الأطر الإدارية والتربوية والتلميذات والتلاميذ وأولياء أمورهم للتعريف بالخصائص الوظيفية ومجالات الاستعمال لهذه الخدمة.
ويأتي هذا الإجراء بعد أيام قليلة عن قيام وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى بتفعيل مبدأ “الأجر مقابل العمل” من خلال مراسلة وزارته لمدير نفقات الموظفين بالخزينة العامة للملكة من أجل “تفعيل إجراء الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل ابتداء من فاتح نونبر 2023، مما يؤكد أن الرجل ومن يقفون خلفه من مستشارين وغيرهم أبعد ما يكونون عن العمل السياسي النبيل والهادف إلى تفادي التصعيد وإثارة القلاقل، وإلا ما معنى أن يتمادى في مسلسل شد الحبل وصب الزيت على النار، في الوقت الذي يصر فيه الأساتذة على الاستمرار في خوض إضرابات أسبوعية متقطعة، تنديدا بتعنته واحتجاجا على مضامين النظام الأساسي، التي أضافت لهم مهاما جديدة خارجة عن طبيعة عملهم، وطوقتهم بعقوبات غير مبررة؟
فنساء ورجال التعليم يرفضون بشكل قاطع ودعم التنسيق الوطني لقطاع التعليم والنقابات التعليمية، أن يتم استخدام أرقام هواتفهم الشخصية لخدمة الرسائل النصية بمنظومة مسار، أو أي غرض آخر بعيدا عن التواصل الإداري في إطار مؤسساتهم التعليمية الأصلية، مشددين على أنه لا يحق لأي كان ومهما كانت صفته استعمال أرقام هواتفهم، باعتبارها أجهزة خاصة تعود لهم وحدهم وليست ملكا للوزارة الوصية. وقد حذرت هيئة التدريس رئيسات ورؤساء جميع مؤسسات التعليم العمومي، من مغبة إرسال أرقام هواتفهم لأي جهة خارجية ولأي غرض كيفما كان شكله وطبيعته.
وفي هذا الصدد يعتبر العديد من الأساتذة المعنيين أن التواصل والتراسل المسؤول، لا يمكن لهما أن يمرا إلا عبر البريد الإلكتروني المهني كما جرت العادة على ذلك، وكما هو متعارف عليه في سائر المنظومات التربوية، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى ضرورة حماية المعطيات الشخصية والمعطيات المؤسساتية، ويؤكدون على أنهم يحملون المسؤولية الكاملة لإدارات المؤسسات التعليمية التي يشتغلون فيها، في حالة ما إذا تم استغلال معطياتهم الشخصية دون إذن مكتوب من طرفهم.
إذ أنه رغم أن هذا الإجراء الجديد يندرج في إطار ما باتت تعرفه المؤسسات التعليمية في السنوات الأخيرة من تحول رقمي، ويظهر مدى حاجة الإدارة إلى توفرها على بعض المعطيات الخاصة بالأساتذة، ولاسيما أن الهدف الأساسي من ذلك والتطبيقات الأخرى، هو توفير فضاء رقمي يساهم في تيسير التواصل وتبادل المعلومات بين الجميع أمهات وآباء وأولياء والتلاميذ والأساتذة، وأن تطبيق “مسار مدرس” يمكن الأستاذ من الاطلاع على وضعيته الإدارية والمالية وحركية انتقالاته ولوائح تلامذته وأقسامه وجدول حصصه، وكذا مسك النقط والغيابات وبرمجة المراقبة المستمرة ، إلى جانب باقي العمليات الأخرى…
فإن ما لا يستسيغه الكثير من المهتمين بالشأن العام والشأن التربوي بصفة خاصة، هو أن يأتي هذا الإجراء في وقت مازالت الساحة التعليمية تنذر بانفجار الأوضاع، مما يؤكد أن هناك ارتباكا وتضاربا في الاختصاصات واضحين داخل الحكومة، ولاسيما بعد أن تدخل رئيس الحكومة شخصيا لعقد لقاءات مع النقابات التعليمية، مبديا موافقته المبدئية على تحسين مضامين النظام الأساسي، ثم تكليف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري، بالنيابة عنه في الاجتماع معها ورفع تقرير مفصل إليه، وما إلى ذلك من اضطرابات وتصريحات رعناء، تستدعي أن يسارع كل من وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى ووزير العدل عبد اللطيف وهبي إلى تقديم استقالتهما، حفظا لما الوجه.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *