الشغيلة التعليمية لا تركع لغير لله!

اسماعيل الحلوتي 

      من الوهم أن يعتقد مهندس النموذج التنموي الجديد الذي هو نفسه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى ومن يقف خلفه ويؤازره في شد الحبل مع الشغيلة التعليمية، أن إشهار ورقة الاقتطاع من الأجور في وجه المضربين، من شأنه تركيعهم وجعلهم يسارعون إلى الرجوع لمقرات عملهم خاويي الوفاض، بعد تلك السلسلة من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية والإضرابات المحلية والوطنية، التي شلت مؤسسات التعليم العمومي وأدت إلى بقاء ما لا يقل عن ستة ملايين تلميذ في الشارع لأزيد من شهر بجميع جهات المملكة.

      فمنذ أن صادق المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 27 شتنبر 2023 على مرسوم رقم 819.23.2 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7237 في 9 أكتوبر 2023، وعشرات الآلاف من الأساتذة من مختلف الفئات والهيئات التعليمية، يطالبون بإسقاط هذا النظام المشؤوم قبل العودة لفصولهم الدراسية بصفة رسمية وطبيعية، لاسيما أنه جاء مخيبا لآمالهم ولا يرقى إلى مستوى انتظاراتهم، فضلا عن أنه يهدف إلى الحط من كرامتهم وتطويقهم بعديد المهام الإضافية والعقوبات الزجرية غير المبررة، حتى أنهم أطلقوا عليه اسم “نظام المآسي”.

      ولشدة حنقهم ورفضهم القاطع لهذا النظام الأخرق، فقد قام الأساتذة بتحويل “اليوم العالمي للمدرس” الذي يصادف الخامس أكتوبر من كل سنة إلى محطة للاحتجاج. إذ حجوا يوم الخميس 5 أكتوبر 2023 بأعداد غفيرة إلى العاصمة الرباط، استجابة لنداء التنسيق الوطني والنقابات التعليمية الداعي إلى الاحتجاج أمام مقر وزارة التربية الوطنية وتنظيم مسيرة نحو البرلمان، للتعبير عن تذمرهم من “النظام الأساسي” التراجعي، خاصة على مستوى عدم إقرار أي زيادة في أجور هيئة التدريس، ودمج أطر الأكاديميات في أسلاك الوظيفة العمومية، واعتماد الترقية على مفاهيم مقاولاتية وربطها بمردودية مبهمة وغيره كثير، دون حتى عرضه على المجلس الأعلى للتربية والتكوين، باعتباره معنيا بإصلاح المنظومة التربوية، التي لا يمكن تطويرها والارتقاء بجودة خدماتها ما لم يتم الحرص على توفير شروط العمل الملائمة للأستاذ،  وتحسين ظروفه المادية والاجتماعية.

      بيد أنه رغم ما أصبحت عليه الساحة التعليمية من غليان وتواصل الاحتجاجات بمختلف الأشكال والصيغ في هدر زمن التعلمات، وخروج عدد من الأسر المغربية للاحتجاج أمام مدارس بناتها وأبنائها، للإفصاح عن قلقها من ضياع مستقبلهم الدراسي، فإن الوزير بنموسى أبى إلا أن يظل متعنتا ومتمسكا بنظامه المشؤوم، مما اضطر معه رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى أخذ زمام المبادرة وإن بشكل متأخر، بدعوى امتصاص الغضب الشعبي ومحاولة نزع فتيل الاحتجاجات، حيث عقد لقاء مع النقابات التعليمية “الأكثر تمثيلية” يوم الإثنين 30 أكتوبر 2023 في حضور كل من وزير التربية الوطنية ووزير الإدماج الاقتصادي يونس السكوري، وأبدى موافقته المبدئية على تحسين مضامين النظام الأساسي الجديد والعمل على إيجاد حلول مرضية لكافة الأطراف، داعيا الشغيلة التعليمية إلى أن تثق في شخصه وتسارع إلى إنقاذ الموسم الدراسي.

      لكن تدخل رئيس الحكومة دون سحب أو تجميد العمل بالنظام الأساسي الجديد إلى حين تجويد مضامينه، وتهديد الوزير بنموسى بالاقتطاع من أجور المضربين، جعلا التنسيقيات والنقابات التعليمية تستمر في خوض معاركها النضالية بكثير من الحماس، حيث شهدت العاصمة الرباط مرة أخرى يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023 إنزالا حاشدا لنساء ورجال التعليم في مسيرة ضخمة نحو مقر الوزارة تفوق أعدادها بكثير أعداد المنخرطين في جميع المسيرات التي عرفتها شوارع المدينة على مدى عقد من الزمان. وقد أكد المتظاهرون خلال وقفتهم أمام مقر البرلمان التي سبقت المسيرة، أنهم عاقدون العزم على مواصلة احتجاجاتهم ضد الحكومة رغم القرار الجائر والقاضي بالاقتطاع من أجورهم، مرددين شعارات حارقة ضد وزير التربية الوطنية ورئيس الحكومة، ومنها مثلا “قطع، قطع وزيد قطع، والله ليك ما نركع”.

       فبالنظر إلى ما أصبحت عليه الشغيلة التعليمية من فقدان للثقة في الحكومة، جراء إخلالها بوعودها والتزاماتها في أكثر من مناسبة، ترى النقابات والتنسيقيات التعليمية لزاما عليها الاستمرار في التشبث بملفاتها المطلبية، حيث انتظم يوم الأربعاء 22 نونبر 2023 آلاف الأساتذة على الصعيد الوطني في مسيرات احتجاجية صوب مقرات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بكافة جهات المملكة، يرددون شعارات مطالبة بإسقاط “نظام المآسي” ورحيل وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، الذي لا يحسن من شيء سوى التضليل والتعنت والتهديد بالاقتطاع من الأجور، وانتقاد الحكومة “ألي ديكاج ألي ديكاج، حكومة الديباناج”، “بنموسى ما دار والو، ما دار والو، بنموسى يمشي فحالو يمشي فحالو”.

      إن المصلحة العليا للوطن عامة ومصلحة التلاميذ خاصة، تستدعيان الكثير من الهدوء والتفكير العميق في المستقبل، مع ما يتطلب الأمر من تنازلات ونبذ الفرقة في القضايا المصيرية مثل إصلاح منظومة التعليم. وعلى رئيس الحكومة أخنوش التعجيل بإعادة الثقة للشغيلة التعليمية والخروج من هذا النفق المظلم، من خلال تعطيل العمل بالنظام الأساسي الجديد قبل إجراء أي حوار مع النقابات التعليمية وممثلي التنسيق الوطني للقطاع، ولاسيما أن من بين أبرز مهام الحكومة، هو أن تجد حلولا حقيقة للمشاكل عوض اللجوء إلى الحلول الترقيعية غير المجدية، والسهر على بناء جيل قادر على خلق التنمية وليس جيلا حاقدا على الوطن ومؤسساته، إن كانت ترغب فعلا في الحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعي.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *