اسماعيل الحلوتي
عشر سنوات فقط في قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، كانت جد كافية لانكشاف حقيقة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية وقيادييه، الذين ما انفكوا يدعون الطهرانية والزهد في المناصب.
إذ فضلا عما أبانوا عنه من ارتباك كبير وسوء التقدير والتدبير، وإخلال بالوعود وعدم القدرة على ترجمة الشعارات إلى حقائق ملموسة، من حيث محاربة الفساد والاستبداد، تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، إصلاح منظومتي التعليم والصحة، الحد من معدلات الفقر والأمية والبطالة والفوارق الاجتماعية والمجالية وتحقيق العدالة الاجتماعية، اتضح كذلك أنهم يعانون من تناقضات صارخة بين أقوالهم وأفعالهم.
ذلك أنه وبغض النظر عما خلفته العشر سنوات العجاف من تذمر واستياء في الأوساط الشعبية، جراء القرارات الجائرة التي أجهزت على أهم المكتسبات الاجتماعية وضرب القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة. وعن الكم الهائل من الفضائح الأخلاقية والتدبيرية المتراكمة، والتي لم يكن أبطالها عدا قيادات من ذات الحزب الأغلبي، فإن ما لفت انتباهنا في خضم التسخينات الجارية هذه الأيام من قبل الأحزاب السياسية، في انتظار يوم “المعركة” الكبرى التي حدد لها يوم الأربعاء 8 سبتمبر 2021، الذي سيجري خلاله “التطاحن” للظفر بأكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب ومجالس الجماعات والجهات. ليس فقط عدد القياديين المرشحين رفقة زوجاتهم وأبنائهم وأصهارهم بمختلف الألوان السياسية، بل كذلك في عودة بعض المفسدين وحتى المجمدين منهم لعضوياتهم، كما هو الشأن بالنسبة للمقرئ أبو زيد الإدريسي عضو الأمانة العامة لحزب المصباح والعضو في حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لذات الحزب، الذي تقررت تزكيته للترشح من جديد وكيلا للائحة الحزب في دائرة مديونة التابعة لجهة الدار البيضاء- سطات.
ولا يكمن وجه الغرابة في عودة “أبو زيد” للترشح مرة أخرى للعضوية بمجلس النواب، إذا لم يكن يطمع في ما هو أكبر، مادام أن هناك الكثيرين من المتهافتين الذين أصبحت لديهم مقاعد محجوزة بأسمائهم إما في البرلمان أو في الحكومات المتعاقبة، وإنما في كونه كان قد أعلن خلال شهر يناير 2021 عن تجميد عضويته بالحزب، مباشرة بعد توقيع أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني على اتفاق التطبيع مع إسرائيل في 22 دجنبر 2020، فيما ظل محافظا على حضور اجتماعات الفريق النيابي بمجلس النواب.
ولم يتوقف الأمر عند حدود قرار تجميد عضويته الحزبية، بل تجاوزها إلى ما هو أفظع حيث هاجم قيادة الحزب بتوجيه انتقادات حادة لها على ما وصفه حينذاك بالتحولات في المواقف، وخاصة منها التطبيع مع أسماه ب”الاحتلال”، حيث أنه أشار في مقطع فيديو مصور أن عضويته في الحزب ستظل مجمدة إلى حين مراجعته مجموعة من القضايا البارزة وهي فلسطين والتطبيع واللغة العربية واستقلالية الحزب ومصداقيته أمام الناخبين. وقال كذلك: “نحن لا نريد نزاعا مع أحد ولا صراعا، لكن نريد أن ننقذ سفينة الوطن” داعيا أعضاء الحزب في جميع ربوع المملكة إلى عقد جلسات عاجلة مع قياداته وإدراج هذه القضايا في جداول أعمالهم، وممارسة الضغط عليهم بقوة للتراجع عن هذه المسائل وخاصة التطبيع مع “الاحتلال” (ولعله يقصد بالمسائل الأخرى القانون الإطار في التعليم وتقنين زراعة القنب الهندي)
وإذا كان حزب العدالة والتنمية شيد مرجعيته على نصرة القضية الفلسطينية ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي، وأن قيادييه يرفضون “التطبيع” مع إسرائيل، فما الذي تغير خلال الفترة الفاصلة بين تجميد “أبو زيد” عضويته في يناير 2021 وتاريخ تزكيته لخوض الانتخابات التشريعية في غشت 2021، حتى يقبل الانخراط بنفس اللون السياسي في المعركة التي ستدور رحاها يوم الأربعاء 8 شتنبر؟ وأين نحن من دعوته للحزب بمراجعة مجموعة من القضايا والحفاظ على مصداقيته أمام الناخبين، إذا كان هو نفسه لا يلتزم بما يتخذه من مواقف وينجذب إلى بريق المناصب والمكاسب ؟ !
فالمقرئ أبو زيد هذا ليس شخصا عاديا وكأيها الناس ممن يمكن التغاضي عن تناقضاتهم وتهافتهم، بل هو إلى جانب كونه “نائما” برلمانيا وأستاذا جامعيا، هو أيضا داعية ومفكر، وأحد منظري حركة التوحيد والإصلاح الدعوية، له عدة دراسات ومؤلفات، وعضو بعدة هيئات علمية ودعوية منذ 1983… فكيف لمن هو بكل هذا الزخم من الصفات أن يجمد عضويته بحزبه لأسباب مازالت قائمة، ثم يعود دون سابق إشعار للترشح باسمه؟ ثم ماذا قدم من إضافة للعمل التشريعي وهو الذي قضى أزيد من عشرين سنة نائبا برلمانيا عدا تلك الصورة التي تظهره وهو يغط في نوم عميق على مقعده بمجلس النواب؟
باختصار شديد، فإنه ليس غريبا مثل هذا السلوك على شخص اشتهر بإثارة الجدل بعد نهاية الكثير من محاضراته، إذ سبق له أن وصف العالم البريطاني الكبير في الفيزياء النظرية وعلم الكون ستيفن هوكينغ ب”الحمار” في الذكرى الأولى لوفاته بدل أن يذكره بالخير، ولم يسلم من سلاطة لسانه حتى بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرانسيس، الذي وصفه هو الآخر ب”البغل”، وما إلى ذلك من الهرطقات…
إن ترشح “أبو زيد” باسم نفس الحزب الذي قرر تجميد عضويته فيه، بسبب مواقفه التراجعية من اللغة العربية والتطبيع مع إسرائيل واتهامه بفقدانه بوصلته، ليس له من تفسير في القاموس السياسي، عدا الانتهازية في أبهى تجلياتها، التي تجعل البيجيديين يضحون بمبادئهم مقابل المناصب والامتيازات فقط.