محمد إنفي
لقد سبق لي، أيها الإخوة، أنا المواطن المغربي محمد إنفي (أستاذ باحث متقاعد وفاعل سياسي)، أن خاطبت، ولعدة مرات، النظام الجزائري، تارة في شخص رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، وأخرى في شخص جنرالات النظام ووزرائه وإعلامه؛ كما خاطبت الشعب الجزائري الشقيق تضامنا وتقديرا لحراكه الشعبي، مُنوِّها بسلميته ومُثمِّنا إصراره على إسقاط دولة العسكر وبناء دولة مدنية ديمقراطية تعيد هؤلاء إلى ثكناتهم.
وما دفعني اليوم، أيها الإخوة العقلاء، إلى تخصيصكم بهذه الرسالة، هو المستوى الرديء (والمتدني، حتى لا أقول الدنيء) لمستوى الخطاب الرسمي للماسكين بمقاليد الأمور في دولتكم؛ ويتساوى في هذا الأمر الرئيس والجنرالات والوزراء ورئيس البرلمان وأحزاب “الأغلبية” الحكومية (إن جاز قول هذا في نظام يتحكم فيه العسكر). وهذا التردي في الخطاب لا يليق لا بالمراكز التي يحتلونها في هرم هذه الدولة، ولا بالشعب الجزائري الشقيق الذي يعاني الأمرَّين في المكابدة من أجل الحصول على ما يسد به رمقه، بينما الطغمة العسكرية تتمادى في التضييق على حريته وفي نهب ثرواته وتبِديدها فيما لا يعود عليه بأي نفع.
“خاوتي”، أنتم أعلم بما يحدث في بلادكم وبما يعيشه شعبكم من قهر وفقر، مقرون بالتضليل الذي يمارسه النظام على هذا الشعب من أجل إيهامه بأن “المرُّوك” يعادي بلادكم، بينما العكس هو الصحيح؛ وأنتم تعلمون هذا جيدا.
لن أحدثكم عن خطاب شنقريحة، ولا عما يروجه الإعلام الموالي للنظام الفاقد لكل شرعية (فليس له لا شرعية تاريخية ولا شرعية ديمقراطية)؛ بل سأكتفي ببعض ما جاء في خطاب عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية، أمام الولاة الذين صفقوا له طويلا، مرارا وتكرارا.
لقد أبان الرجل عن غباء كبير وعن جهل أكبر بالسياسة وبأعرافها. لقد تحدث كأي رجل سياسي مبتدئ – يخاطب المنخرطين في حزبه، فيركب تارة المزايدة، وتارة دغدغة العواطف، وأخرى إطلاق الوعود الكاذبة، الخ – وليس كرئيس دولة، خطابه لا يعني فقط الحاضرين في اللقاء، بل يعني أيضا الشعب برمته، ويهم، بشكل كبير، كل التمثيليات الديبلوماسية بالبلاد، التي تنجز تقارير عما يقوله وما يفعله رئيس الدولة، وتبعث بهذه التقارير إلى حكومات بلدانها.
فمن يستمع، ولو بدون تركيز، إلى التسجيل الكامل لخطاب تبون أمام الولاة، لا يمكن إلا أن يسجل ما به من تناقضات صارخة وأكاذيب طافحة وعنتريات فارغة لن تنطلي على الشعب الجزائري الشقيق الذي يعيش واقعا مريرا وأوضاعا اجتماعية قاسية، بل مأساوية، تعكسها الطوابير الطويلة التي تشهدها البلاد طولا وعرضا، ومنذ الصباح الباكر، لعل المواطن الجزائري يحصل على حصة من بعض المواد الغذائية الأساسية، إن استطاع إلى ذلك سبيلا؛ مما يدل على عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد، والنظام مستمر في الكذب على الشعب والاجتهاد في تضليله.
“خاوتي”، لست أنا من سيعرفكم على ما تزخر به بلاد المليون شهيد من ثروات طبيعية، وفي مقدمتها البترول والغاز. ولكم أن تتساءلوا أين ذهبت مئات المليارات، بل آلاف المليارات من الدولار حتى أصبحت بلادكم في الوضع الذي هي عليه (الفقر المدقع)، بينما هي من أغنى دول شمال إفريقيا.
ومع هذا، فلا يخجل تبون من القول بأن الجزائر قوة ضاربة، قوة جهوية، قوة تجلب السلام للمنطقة، قوة يعترف بها العالم كله، ما عدا بعض الجزائريين الذين يُبخِّسون مجهودات دولتهم، وغير ذلك من الكلام الذي لن يصدر أبدا عن عاقل أو عن رجل سياسة حقيقي (وليس مجرد دمية) أو رجل دولة يحترم نفسه ويحترم مخاطبيه المباشرين، ومن خلالهم، يحترم باقي أفراد الشعب الذي ينتمي إليه.
“خاوتي” العقلاء، أريد أن أختم هذه الرسالة المقتضبة بسؤال قد يحتاج، في قراءته، إلى شيء من التركيز لطوله ولتداخل عناصره؛ والسؤال هو كالتالي: هل يعقل أن يغضب مواطن جزائري- يؤمن بشعار “خاوة، خاوة”، ويعرف شيئا، ولو يسيرا، عما يعانيه المغرب مع نظام بلادكم منذ 1975، تاريخ استرجاع بلادي لأقاليمه الجنوبية من المستعمر الإسباني (وكان، قبل ذلك، قد استرد منه إقليمي سيدي إفني وطرفابة اللذين ينتميان إلى الجهة الثالثة من أقاليمنا الصحراوية؛ وهي جهة كلميم واد نون)- هل يعقل أن يغضب هذا المواطن من رد فعل الدبلوماسي المغربي عمر هلال في اجتماع أممي – وقد سئم هذا الديبلوماسي من سماع نفس الخطاب منذ 1975 من قبل الدبلوماسية الجزائرية (أي منذ أكثر من 46 سنة) حول تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية وتقرير مصير الشعب الصحراوي، والعالم يشهد على أن هذا الشعب ينعم ببلاده المغرب بالأمن والأمان، منخرطا في مؤسساته الديمقراطية ويساهم في تنميتها؛ بينما يشهد هذا العالم نفسه على ما يعيشه المحتجزون في مخيمات تندوف من مآس تفوق الوصف بسبب النظام الجزائري المسؤول عن هذه المآسي وعن تلك التي يعيشها الشعب الجزائري الشقيق – فكان رد الديبلوماسي المغربي على رمطان لعمامرة، في نفس الاجتماع بالقول: “إن كان هناك شعب يستحق تقرير المصير، فهو الشعب القبائلي الأمازيغي الذي وُجد على أرضه قبل أن توجد دولة الجزائر بقرون”؟
أسئلة فرعية: هل تساؤل عمر هلال ليس مستندا على التاريخ وعلى الجغرافيا وعلى “المنطق” السياسي الذي تتذرع به الجزائر لمعاكسة مصالح المغرب؟ فمن يستحق تقرير المصير؟ هل الشعب الجزائري ومن ضمنه الشعب القبائلي أم سكان مخيمات تندوف الذين تأويهم الجزائر على أرضها (للإشارة فقط، فتندوف أرض مغربية في الأصل، حسب المصادر التاريخية، ضمها الاستعمار الفرنسي إلى الأرض التي كان يحتلها، إذ كان يعتبر الجزائر أرضا فرنسية وتشكل إداريا وسياسيا أحد أقاليمها) وتمولهم وتسلحهم منذ منتصف السبعينات على حساب الشعب الجزائري؟ وبعد ردة فعل عمر هلال، هل سمعتم أو قرأتم عن قرار رسمي للدولة المغربية يتعلق بالقبايل؟ ألا يحق للمغرب أن يمارس سيادته في التعامل بالمثل مع الجيران وغير الجيران؟ هل بعد كل هذا الصبر الطويل الذي أبان عنه المغرب، يمكن أن يُلام على ردة فعل على تهور ووقاحة وصلافة رئيس الديبلوماسية الجزائرية؟ وإذا عيل صبر المغرب، فقرر يوما أن يعامل جيرانه بالمثل، أفليس هذا من حقه الطبيعي؟ هل تقبلون بالثنائية (“حلال علي وحرام عليك”) التي يمارسها نظام بلادكم وإعلامه، فينجرُّ بعض المغفلين مع ما يروجه هذا النظام حول اعتداء المغرب على الجزائر؟…أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح في هذا المضمار، وسوف أكتفي بهذا القدر، مع الإشارة إلى أن المغرب ظل وفيا لليد الممدودة ومتمسكا بموقفه الهادئ تجاه التصديد الجزائري الأخرق (وقد يعتقد أغبياء نظام بلادكم، وما أثرهم، أن ذلك ضعفا؛ لذلك أنصحهم بقراءة تاريخ المغرب قبل الإقدام على أي قرار متهور سيندمون عليه، حيث لا ينفع الندم).
محمد إنفي، مكناس (المغرب) بتاريخ 1 أكتوبر 2021