الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

عودة الطالبي العلمي المثيرة !

اسماعيل الحلوتي

بإعجاب شديد سجل الكثير من المراقبين الدوليين كيف أن المغرب احتراما للوثيقة الدستورية، استطاع في ظل الأزمة الصحية العالمية، الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد وما خلفه من تداعيات اجتماعية واقتصادية قاسية، تنظيم استحقاقات انتخابية ثلاثية (جماعية وجهوية وتشريعية) في الثامن من شتنبر 2021.

وكيف أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش المعين في 10 شتنبر 2021 طبقا للفصل 47 من الدستور، تمكن في مدة وجيزة وانسجاما مع الإرادة الشعبية من تكوين تحالف ثلاثي، يضم بالإضافة إلى حزبه التجمع الوطني للأحرار ب”102″ مقعدا، حزب الأصالة والمعاصرة ب”86″ مقعدا وحزب الاستقلال ب”81″ مقعدا. وكيف تم التوافق بين الأحزاب الثلاثة على تشكيل حكومة تزخر بالكفاءات الشابة ومقلصة إلى 25 عضوا بمن فيهم رئيسها، التي ترأس ملك البلاد محمد السادس مراسم تعيين أعضائها بمدينة فاس يوم الخميس 7 أكتوبر 2021.
وبصرف النظر عما شاب انتخابات رؤساء وأعضاء المجالس الجماعية ورؤساء وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم والجهات من تلاعبات واستعراض للنفوذ والقوة هنا وهناك، وما رافق جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب المنعقدة عصر يوم السبت 9 أكتوبر 2021 من لغط شديد، والتي انتخب فيها القيادي في حزب “الأحرار” رشيد الطالبي العالمي بأغلبية 259 صوتا.
فإنه وبذات القدر الذي استبشر فيه المغاربة خيرا بإغلاق أبواب الاستوزار أمام المفسدين والوجوه “البالية” التي راكمت الفشل خلال الولايات الحكومية السابقة، أصيبوا كذلك بإحباط شديد وخيبة أمل كبيرة، أفسدا عليهم نشوة الفرح الذي غمرهم بما باتت تعرفه بلادهم من استقرار وانتقال ديمقراطي، مستائين من عودة الوزير الأسبق رشيد الطالبي العالمي إلى تحمل المسؤولية من جديد عبر بوابة المنصب الثالث في هرم السلطة، وهو الذي يجر خلفه ملفا ثقيلا من الفضائح والتجاوزات المالية، حيث لم يكن اسمه يتردد في الساحة السياسية إلا مقرونا بفضيحة ما، وهو ما يساهم في ارتفاع نسبة العزوف عن الانخراط في العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات…
إذ مازالت ذاكرة المغاربة تحتفظ ل”عريس” مجلس النواب بعدد من الفضائح التي مازالت تلاحقه أينما حل وارتحل، ومنها مثلا فضيحة الموقع الإلكتروني إبان توليه منصب وزير الشباب والرياضة، التي أثارت جدلا واسعا وردود فعل غاضبة في منصات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بمحاسبته. فمباشرة بعد أن كشفت البرلمانية ابتسام مراس من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن خلاصات تقرير المفتشية العامة للمالية حول الاختلالات المسجلة في تدبير شؤون الوزارة، دعا حينها في الولاية السابقة الأمين العام لأكبر حزب في المعارضة “الأصالة والمعاصرة” عبد اللطيف وهبي إلى تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول ملابسات الفضيحة…
حيث صرح لحظتها أمام وسائل الإعلام بأن إحداث تلك اللجنة يهدف إلى التدقيق في كل ما له صلة بوزارة الشباب والرياضة إبان فترة تسييرها من قبل عضو المكتب السياسي بحزب “الحمامة” رشيد الطالبي العلمي، من مشاريع وطلبات عروض وصفقات وأوجه وطرق صرف الميزانيات المرصودة، ومدى تطابق ذلك مع القوانين والمساطر المعمول بها في هذا المجال. لاسيما أن التقرير السالف الذكر أظهر أن إنشاء الموقع الإلكتروني للتخييم الذي خصص له مبلغ 250 مليون سنتيم، لا تتعدى تكلفته في أقصى الحالات 30 مليون سنتيم حسب تقديرات المختصين، فضلا عن تسجيل خروقات وتجاوزات أخرى، لم يتم فيها احترام مسطرة الصفقات العمومية على عدة مستويات، ومنها تنازل الوزير الأسبق عن صلاحيات وزارته وخاصة في ما يتعلق بالاتفاقية المبرمة مع الجامعة الوطنية للتخييم سنة 2019، وكذا عن نصف الميزانية السنوية المخصصة للتخييم لصالح نفس الجامعة، ضدا على القوانين الجارية…
وعلى الرغم مما لجأ إليه الطالبي وقتها من ذرائع ومبررات في محاولة يائسة للهروب إلى الأمام، فإن ذلك لم يشفع له في طمس الحقيقة، لاسيما أن هناك ملفات أخرى لا تقل فداحة عن فضيحة الموقع الإلكتروني، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إبرامه من موقع رئاسة مجلس النواب صفقة كبيرة مع شركة وطنية للاتصالات عام 2014 كلفت المجلس ميزانية ضخمة بلغت 140 مليون سنتيم، زود من خلالها جميع البرلمانيين بهواتف ذكية باشتراكات شهرية، وأجهزة آيباد وبطاقات للبنزين والمبيت المجاني بفنادق الرباط، بدعوى التحفيز على حضور أشغال البرلمان، غير أنه سرعان ما فوجئ البرلمانيون المنتهية ولايتهم سنة 2016 بانقطاع خط الاتصالات، ليحتفظوا بهواتفهم وأجهزة الآيباد.
ثم إنه وفي نفس السنة 2016 وبخصوص قضايا التملص الضريبي، اضطرت الخزينة العامة إلى الحجز على رواتب مجموعة من البرلمانيين، لعدم أداء ما بذمتهم من ضرائب، وكان من بينهم سيادة العريس/الرئيس رشيد الطالب العلمي، الذي صدر في حقه حكما يقضي بأداء مبلغ مليار و300 مليون درهم لخزينة الدولة، نظير تهربه من تسوية وضعيته مع مصلحة الضرائب لما يزيد عن ربع قرن، إثر اكتشاف معمل سري لإنتاج النسيج بمدينة تطوان في ملكيته، يشغل حوالي مائة عامل منذ عام 1991، وغير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي…
إن الاستمرار في التساهل مع المفسدين عبر إشاعة ثقافة “الإفلات من العقاب” وترقية المفسدين إلى مناصب أعلى، لن يعمل سوى على تكريس شعار “عفا الله عما سلف” السيء الذكر. فهل سيعمل وزير العدل الجديد عبد اللطيف وهبي على فتح ملفات الفساد، التي طالما جعل منها وقودا لحملاته الانتخابية من داخل المعارضة؟
اسماعيل الحلوتي

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *