سيظل تاريخ 25 أكتوبر 2021 راسخا في أذهان المغاربة عامة والمهتمين بالشأن السياسي خاصة. حيث أنه وفي خطوة لم يعرف البرلمان المغربي منذ تأسيسه مثيلا لها، يتم منع نائبتين برلمانيتين من الالتحاق بجلسة عامة للأسئلة الشفوية الأسبوعية.
ليس لأنهما جاءتا بلباس غير محتشم ويخل بالقانون الداخلي للمجلس أو ما شابه ذلك، وإنما لعدم توفرهما على “جواز العبور”، الذي اشترط رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي القيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار في الدعوة الموجهة لجميع النواب، الإدلاء به عند حضور الجلسة، تنفيذا لقرار السلطات العمومية.
ويتعلق الأمر هنا بكل من النائبة البرلمانية نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، وكذلك زميلتها فاطمة الزهراء تامني النائبة عن فيدرالية اليسار، اللتان لم تسمح لهما عناصر الأمن بالدخول، رغم إدلائهما بشهادة سلبية لكشف PCR تثبت خلو جسميهما من أي أثر لفيروس كورونا المستجد، عوض “جواز التلقيح” الذي لا تتوفران عليه بسبب رفض الأولى أخذ جرعة اللقاح المضاد لجائحة “كوفيد-19″، معتبرة أن التلقيح مسألة اختيارية، فضلا عن أنها تعارض استخدام قانون حالة الطوارئ الصحية في تجاوز الدستور الذي يكفل حرية المواطنين. فيما الثانية حتى وإن كانت تلقت الجرعات الثلاث من اللقاح ، فهي ترفض التعامل بجواز تراه مقيدا لحرية الأشخاص غير الملقحين.
ففي نظرنا المتواضع كنا نأمل في ظل ما تشهده بلادنا من توتر أن تتفادى النائبتان الوقوع في مثل هذا الموقف الحرج وإعطاء صورة سلبية عن ممثلي الأمة، من حيث عدم الامتثال للقانون والإساءة إلى صورة البرلمان، وفي ذات الوقت لو أن رئيس مجلس النواب تجاوز بصفة استثنائية حالتهما، والتعامل معهما بنوع من الحكمة والمرونة في تنزيل القرار الحكومي القاضي بإجبارية “جواز التلقيح” كوثيقة رسمية وحصرية لولوج الإدارات العمومية وشبه العمومية والفضاءات الخاصة وفي التنقل بين العمالات والأقاليم، كما هو الشأن بالنسبة لمديرية الأمن الوطني التي عملت على احترام حقوق المرشحات والمرشحين في اجتياز مباريات الشرطة، بالسماح تجاوزا لغير المتوفرين منهم على جواز التلقيح تقديم بدله شهادة سلبية لاختبار PCR لا تتجاوز مدتها 72 ساعة، وغيرها من الإدارات الأخرى…
وهو ما احتدم بشأنه نقاش ساخن داخل مجلس النواب حول مدى قانونية اعتماد جواز التلقيح كمقاربة احترازية جديدة، حيث انتقد عدد من نواب فرق المعارضة ما تعرضت له النائبتان، معتبرين القرار الحكومي متسرعا ومخالفا للدستور، ومطالبين السلطات العمومية بالتراجع عنه. لكن رئيس الجلسة لم يدع الفرصة تمر دون حسم الجدل وتعليل قرار إلزامية “جواز التلقيح”، من خلال دعوة نواب الأمة إلى العودة للفصلين 6 و64 من الدستور والمادة 3 من قانون حالة الطوارئ، التي تقول: “على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم…”
في حين جاء رد وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب صريحا، إذ أوضح أن الغاية من اعتماد جواز التلقيح ليست تقييد حرية الأشخاص، وإنما هي على العكس من ذلك وثيقة رسمية ستلعب دورا محوريا في السماح للأشخاص الملقحين باستئناف حياتهم بشكل أقرب إلى الطبيعي مما هي عليه اليوم. ثم أضاف بأن المنطق الاحترازي يقتضي تخفيف الإجراءات عليهم، بعدما أصبحوا يشكلون الغالبية العظمى حسب الإحصائيات الرسمية، مشيرا إلى أن الإجراء المعتمد سيساهم بالتأكيد في الحد من نشر الفيروس عبر الأشخاص غير الملقحين، مؤكدا على ان عدة دراسات وبحوث علمية اثبتت أن الشخص غير الملقح معرض لخطر الوفاة 11 مرة أكثر ولخطر دخول الإنعاش 10 مرات، خلافا للشخص الملقح…
فالقرار الحكومي المباغت والمتسرع أثار ردود فعل غاضبة وموجة من الاحتجاجات الصاخبة، للتنديد بالقرار والمطالبة بإلغائه فورا، بدعوى تعارضه مع مقتضيات الدستور وافتقاره إلى السند العلمي. مما أدى بعديد الجمعيات المدنية والحقوقية والهيئات السياسية إلى الدخول على الخط، وتوجيه رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان آمنة بوعياش مذكرة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش توصي من خلالها استبدال “جواز التلقيح” ب”الجواز الصحي”، الذي يشهد بتحصين حامله بدءا بتلقيه الجرعة الأولى، أو توفره على شهادة كشف سلبي، أو سبق له الإصابة بالفيروس التاجي أو عدم قدرته على أخذ اللقاح لأسباب صحية محددة.
إننا وبعيدا عما شاب القرار الحكومي من نقائص ورافقه من إشكالات في التنزيل، تستدعي جميعها التعجيل بتجاوزها، علينا أن ندرك جيدا أننا نخوض معركة ضارية ضد فيروس خطير وسريع الانتشار، لا أحد في العالم يعلم متى يتم تخليص البشرية من بطشه ولا نملك في الوقت الحالي من سلاح آخر لمواجهته عدا اللقاح والالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية. ونتمنى صادقين أن تكف الحكومة عن الارتباك والارتجال في اتخاذ القرارات كيفما كانت طبيعتها. وأن يتوقف المغرضون عن المزايدات، الاستهتار بالقوانين وإثارة الفتن، فمن غير المقبول التمادي في عنادهم ومحاولة نسف المجهود الوطني الكبير، لاسيما أن بلادنا قطعت أشواطا هامة في اتجاه تحقيق المناعة الجماعية، وأوشكت على دحر الوباء اللعين والعودة إلى الحياة الطبيعية…
اسماعيل الحلوتي