بقلم: ضياء علي.
عن موقع: حبر.
في أحد أيام اعتقالي الأولى، وكنت حينها في التاسعة عشرة، كان لدي موعد مع طبيب السجن حيث كنت أشكو من ألمٍ في المفاصل. وأثناء وجودي في زنزانة الانتظار للدخول إلى العيادة، جاء ضابط استخبارات السجن وطلب مني بشكل استفزازي تعديل وضعية جلوسي، فرفضت ذلك، وقلت له «أنا بقعد كيف بدي»، رد عليّ بالشتائم فرددتها عليه مباشرة وبوتيرة أعلى. صرخ في السجانين وطلب منهم اقتيادي إلى زنازين السجن، وهي زنازين تختلف عن غرف السجن العادية، يُحتجز فيها الأسرى «المشاغبون» كنوع من العقاب، وتكون مراقبة بالكاميرات وظروف المعيشة فيها سيئة جدًا.
مباشرةً، توجه «أوشري» ضابط الاستخبارات إلى ممثل التنظيم الذي كنت أعيش تحت إطاره في السجن، وقال له: «أنتم تربون جماعتكم على قلة الأدب والنمردة»، فرد عليه ممثلنا: «من يتصرف مع رفاقنا بقلة أدب بكل تأكيد سيردون عليه بما يستحق»، فقال له الضابط: «سيبقى في الزنازين حتى يتعفن وتطلع ريحته». رد عليه ممثلنا بكل حزم «ضياء مريض وإذا ضل في الزنازين رح يتضاعف [سوء] وضعه الصحي، وإذا ما رجع على القسم قبل المغرب فحل مشكلتك مع 70 مجنون بدهم رفيقهم يرجع للقسم»، في إشارة لعدد الرفاق الموجودين في القسم، وفعلًا جاء «عدد» المغرب وأنا في غرفتي وبين رفاقي.
سنعود لهذه القصة لاحقًا، لكن حتى نتعرف على بعض ما يجري داخل السجون في هذا الوقت، سنحاول في هذا المقال فهم معنى خطوة حل الهيئات التنظيمية التي أقدمت عليها الحركة الأسيرة في بعض السجون الاسرائيلية، من خلال تتبع أهم المحطات الرئيسية في تاريخ الحركة الأسيرة وتشّكلها والتحولات التي طرأت عليها، ومن أين جاءت الحاجة لفكرة التنظيم داخل السجن، وما هي طبيعة هذه التشكيلات وما هي مهامها؟، وماذا يعني حلّها؟ وكيف تعكس هذه الخطوة نفسها على الحركة الأسيرة وإدارة السجون والعلاقة بينهما؟
الحركة الأسيرة والبدايات
شهدت فترة الانتداب البريطاني وما تلاها من تأسيس للكيان الصهيوني اعتقالات بحق الفلسطينيين، وتأسست إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية في العام 1949، لكن يمكن القول إن الاعتقال تحوّل لسياسة إسرائيلية ممنهجة مع نكسة العام 1967. حينها ازدادت وتيرة العمل الفدائي الفلسطيني، وبرزت ظاهرة «أسرى الدوريات»، وهم الأسرى الذي كان يتم اعتقالهم على خلفية اتهامهم بتنفيذ «دوريات» فدائية في الأرض المحتلة، بهدف الاستطلاع وتنفيذ عمليات أو تهريب سلاح.
خلال هذه الفترة بدأ الفلسطينيون والعرب يتوافدون على السجون الإسرائيلية، وقد استخدمت إسرائيل الكثير من السجون التي بناها الاستعمار البريطاني مثل سجن غزة المركزي، وعسقلان، والرملة، والدامون، فيما أنشأت عددًا آخر مثل: سجن بئر السبع المركزي، ونفحة، وريمون، والنقب، وعوفر، وجلبوع، ومجدو وهشارون، وكفار يونا، وعدد آخر من مراكز التحقيق والتوقيف التي تجاوز عددها خمسة وعشرين مركزًا.
عاش المعتقلون في بداية التجربة ظروفًا اعتقالية ومعيشية صعبة جدًا، فقد كان يتم رش كل أسير قادم جديد إلى السجن بمادة «الدي تي تي» وهي مادة مضادة للديدان والبكتيريا، وحلق لحيته وشعره بغرض إهانته، إضافة إلى رداءة الطعام كمًا ونوعًا، وازدحام الغرف، والضرب المبرح، وحتى العام 1970 كان الأسرى العرب يعيشون في ذات الأجنحة أو الأقسام مع سجناء جنائيين يهود.
هذه الإجراءات، التي استمر بعضها حتى اليوم وإن بأشكال ناعمة في بعض الأحيان، كان هدفها كسر شوكة المناضل الفلسطيني، ومحاولة صهر وعيه وردعه عن النضال وإفراغه من محتواه النضالي والوطني. وفي سياق الرد على كل هذه الإجراءات وإدراكهم لسياسة العدو الموجهة لهم بشكل منظم، بدأ الاسرى بالتفكير بضرورة مواجهة إدارة السجون وسياساتها بالتنظيم. تنظيم حياتهم داخل الأسْر وخلْق نسيج اجتماعي في إطار وطني تنظيمي موحد يضم الكل الفلسطيني، لإداراكهم أنّ: «مشروع العدو منظم وممنهج، إذن فهو بحاجة لمشروع وطني منظم وممنهج كي يستطيع مواجهته».
كان عنوان المرحلة الأولى (1967 – 1976) الصمود في مواجهة سياسات السجان وتثبيت الشخصية الوطنية للأسير الفلسطيني باعتباره أسيرًا سياسيًا، وبداية جنينية للجسم الاعتقالي الفلسطيني وخلق نظام داخلي ولوائح اعتقالية تنظم الحياة اليومية لهم، في مواجهة شروط الحياة التي تضعها إدارة السجن.
عام 1976، خاض الأسرى إضرابًا في سجن عسقلان استمر 45 يومًا على مرحلتين. يعدّ هذا الإضراب مفصليًا في مسيرة الحركة الأسيرة لم تعد بعده كما كانت قبله؛ صحيح أن الإضراب كان بالأساس مطلبيًا، وهدفه تحسين ظروف الاعتقال إلا أنه اعتبر سياسيًا، فهو الإضراب الأول الذي يخوضه الأسرى موحدين يقودهم جسم تمثيلي واحد وهو «اللجنة الوطنية النضالية العليا»، ولذلك حققوا من خلاله نتائج حياتية مهمة واستراتيجية، أهمها: السماح بإدخال القرطاسية التي كانت ممنوعة بتاتًا وكان الأسرى قبلها يكتبون رسائلهم وملاحظاتهم على ورق السجائر، واستلام الأسرى إدارة شؤون مكتبة السجن، ومراسلة الأهل من خلال الصليب الأحمر، وتحسين نوعية وكمية الطعام واستبدال فرشات الأسرى التي كانت غير صالحة للاستخدام البشري.
عام 1980، خاض الأسرى الفلسطينيون معركة دفاع عن تجربتهم التنظيمية وقيادة حركتهم الأسيرة، فقد افتتحت إدارة السجون سجن نفحة الصحراوي بهدف عزل الكادر التنظيمي للحركة الاسيرة عن باقي الأسرى الذين تمكنوا من بناء حركتهم الأسيرة حتى أصبحت قوية وقادرة على المواجهة. تم تجميع المعتقلين البارزين في ظروف سيئة جدًا، بداية من الطعام الفاسد والزج بأعداد كبيرة من الأسرى في الغرفة الواحدة، وسوء التهوية داخل السجن، وحرمانهم من الفورة وقمعهم بعنف، فقرر الأسرى في نفحة وبالتنسيق مع سجني بئر السبع وعسقلان خوض إضراب مفتوح عن الطعام، فواجهت إدارة السجون هذا الإضراب بشراسة مرعبة، فاستخدمت لأول مرة التغذية القسرية، ليسقط نتيجة لهذا الإجراء كل من الشهداء علي الجعفري وراسم حلاوة وتبعهم إسحق مراغة الذي استشهد على إثر الإضراب واعتبر من شهدائه. كان هذا الإضراب بمثابة نقلة نوعية في تحسين شروط حياة الأسرى وتمتين وتصليب تجربتهم التنظيمية.
التشكيلات التنظيمية للحركة الأسيرة
حتى منتصف الثمانينيات، كانت كل من حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وفصائل يسارية وقومية أخرى المكون الرئيسي لجسم الحركة الأسيرة والثقل الأساسي لها، بمعنى أن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كانت المكون الرئيس للجسم الاعتقالي داخل السجون. لكن بعد ذلك بفترة برزت ظاهرة ما يسمى بـ«المنفلشين» وهم أسرى معظمهم من حركة فتح يحملون الأيديولوجيا الدينية الوطنية، ولا ينتمون لأي من حركات الإسلام السياسي، وهذا ما أحدث نوعًا من الخلاف داخل جسم الحركة أدى في بعض الأحيان إلى حسمه بالعنف. ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، تدفق عدد كبير من الأسرى إلى السجون وظهرت تنظيمات الإسلام السياسي على الساحة ممثلة بحركة حماس والجهاد الإسلامي، وهذا ما ولّد لدى فتح شعورًا بنوع من المنافسة.
اليوم، يحتل أسرى حركة فتح الأغلبية من حيث العدد في السجون، يليهم أسرى حركة حماس ومن ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومن ثم الجهاد الإسلامي والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. ويعيش كل تنظيم في قسم خاص به غالبًا، وأحيانا في أقسام مختلطة مع باقي التنظيمات، فحالة الانقسام عكست نفسها على واقع الحركة الأسيرة، إلّا أن كلًا من الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي قررا كسر حالة الانقسام داخل أقسام السجن والعيش داخل أقسام مع فتح وفي أقسام أخرى مع حماس.
تتشابه الهيكليات التنظيمية للفصائل الفلسطينية داخل السجون، ولكن تختلف في بعض المسميات وآليات اتخاذ القرار. ولنفهم الصورة أكثر نأخذ كمثال هيكلية كل من فتح والشعبية وحماس، فعند فتح يوجد بالتراتبية التنظيمية كل من الموجه العام أي مسؤول التنظيم في السجن، واللجنة المركزية وتتكون من 10 أسرى تقريبًا، ومهمتها إدارة الشؤون اليومية لأسرى التنظيم، ومن ثم يأتي مسؤول اللجنة النضالية ومهمته تمثيل التنظيم أمام الفصائل الثانية، واللجنة الإدارية والثقافية والأمنية والاجتماعية والخارجية. وآلية اتخاذ القرار تعتمد في أحيان كثيرة على قوة ونفوذ بعض الأشخاص في التنظيم وفي أحيان أخرى يتخذ القرار من خلال التصويت. عند الجبهة الشعبية يكون سكرتير المنظمة ومن ثم أعضاء قيادة المنظمة، التي تتشكل من مسؤولي كلٍ من اللجنة التنظيمية الأمنية والثقافية والمالية والنضالية والإعلامية والخارجية وتمثل التنظيم أمام إدارة السجن. وآلية اتخاذ القرار تتم من خلال التصويت (بنظام الأغلبية)، أمّا عند حماس فهناك الهيئة القيادية العليا ومن ثم الأمير ونائب الأمير ومجلس الشورى والمكتب التنفيذي واللجنة الوطنية والثقافية والأمنية والاجتماعية والخارجية والمالية والإعلامية والسياسية والرياضية. ويتم اتخاذ القرار من خلال نظام الشورى.
التنظيم داخل السجن، أداة نضال وأداة ضبط وسيطرة
بإمكاننا القول أنه منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 وحتى عام 2000، شهدت الحركة الوطنية الأسيرة انتكاسة كبيرة، وانتهت بأوسلو مرحلة صعود الحركة الأسيرة. حيث ساهمت الاتفاقية بشكل كبير بإنهاء التنظيم الحديدي القوي المرتبط بمفاهيم الجماعة والمواجهة وحماية المنجزات.
في هذه الفترة أفرجت إسرائيل عن حوالي 12000 أسيرًا وأسيرة، وبالتالي اُفرغت السجون من الكادر التنظيمي المتمرس، إضافة الى حالة الانقسام السياسي التي سادت بين الأسرى ما بين مؤيد ومعارض لاتفاق «السلام»، عوامل سلبية كثيرة ألقت بظلالها على التنظيم الاعتقالي.
جاءت الانتفاضة الثانية عام 2000 ودخلت أعداد كبيرة من شباب الانتفاضة إلى السجن حتى وصل العدد إلى 11000 أسير ومن كل التنظيمات. هذا العدد الكبير الذي جاء معظمه بدون تعبئة تنظيمية وفكرية، ومنهم عدد كبير من أبناء الأجهزة الأمنية المعبؤون بثقافة وطنية لكنهم كانوا يتعاملون على أساس أنهم أبناء دولة ويتلقون تعليماتهم من الضابط في الجهاز وليس من المسؤول التنظيمي، أثر على الوضع داخل السجون، وتأثرت العلاقة مع الجيل القديم المتبقي في السجون من حقبة ما قبل أوسلو وقد تجلت نتائج العلاقة السلبية وعدم التفاهم في إضراب 2004 الشهير، الذي فشل في تحقيق مطالبه بل وانعكس بشكل سلبي على واقع الحركة الاسيرة حتى يومنا هذا.
رغم أن تنظيم فتح المركزي في السجون نجح في خلق حالة تنظيمية في عددٍ من السجون دون غيرها، إلا أنه فقد قدرته على السيطرة على كافة منظماته التنظيمية وسيطر عليها مجموعة من الأشخاص لهم مصالحهم الخاصة، وأصيب التنظيم بمرض المناطقية والشللية، فنجد أسرى فتح من الخليل يجتمعون في قسم خاص بهم وكذلك رام الله وجنين.. إلخ، ولا يقبل أسرى منطقة جغرافية معينة أن يتولى قيادتهم أسير من منطقة أخرى.
هذا الضعف والتفسخ في جسم الحركة الأسيرة، وفتح بالتحديد على اعتبارها التنظيم الأكبر، أعطى لإدارة السجون فرصة ذهبية للدخول في هذا الجسم والتأثير عليه وأحيانًا التحكم في قراراته، من خلال منح امتيازات معينة لمجموعة من الأشخاص والدفع باتجاه اتخاذهم مناصب قيادية في التنظيمات، لأنهم وبحسب رؤيتها مهادنون وغير معنيّون بأي مواجهة معها وقادرون على ضبط أبناء التنظيم في السجن ومنعهم وردعهم عن القيام بأي خطوة تصعيد اتجاه الإدارة حتى لو كان ذلك بالقوة. إلا أن الصورة لم تبق سلبية على طول الوقت، فقد حاولت تنظيمات أخرى مثل حماس والشعبية والديمقراطية والجهاد إعادة ترتيب أوراقها الداخلية واستعادة قوة التنظيم ومكانته ودوره في حماية أبناءه من سطوة وقمع وسياسات إدارة السجون، وإعادة ترميم البرنامج الإداري والثقافي لهذه التنظيمات وشهد تنظيم فتح محاولات بهذا الخصوص إلا أنها بقيت محصورة في عدد قليل ممن يشعرون بالغيرة على تجربة حركتهم التاريخية.
القصة التي ذكرتها بداية هذا المقال تدلنا على مدى قدرة التنظيم على حماية أبنائه من سطوة السجان عندما تكون قيادته وطنية ومتماسكة وهمّها الوحيد الحفاظ والمراكمة على تضحيات ومكتسبات الحركة الأسيرة ومنع الإدارة من الاستفراد بالأسرى. لكن هذه القيادة، يمكن لها أن تكون أداة ضبط وسيطرة عندما تقبل على نفسها الارتهان لتوجيهات ضباط الاستخبارات والأمن، وتغليب مصالحها الخاصة والشخصية على حساب مصلحة العام.
حل التنظيم كخطوة تكتيكية
يحاول الأسرى على الدوام تحدي السجان ومواجهته وخلق أي فرصة للخروج ولو معنويًا من حيز السجن أو «الزمن الموازي» كما سماه الأسير وليد دقّة، وقد أبدعوا في ذلك، فحرروا نطفًا وأنجبوا أطفالًا، وهرّبوا الهواتف النقالة وبأساليب يعجز عقل السجان عن تصورها، حتى يخلقوا نوعًا من التواصل الإنساني مع العالم خارج السجن.
وفي أواخر شباط الماضي، قرر الأسرى في عدد من سجون الاحتلال حل التنظيمات كخطوة احتجاجية لمواجهة الإجراءات التعسفية التي تنفذها إدارة مصلحة السجون بحقهم والتي كان آخرها تركيب أجهزة للتشويش على الهواتف النقالة التي بحوزتهم، وهي «أجهزة مسرطنة وتسبب صداع شديد ودائم للأسرى» داخل الأقسام.
“حل التنظيم يعني انعدام الحياة التنظيمية والإدارية للأسرى، فيتم إيصال رسالة لإدارة السجن أنه لا يوجد من يمثل الأسرى وأن لكل أسير الحق بالتصرف على عاتقه الشخصي.”
ولكي نعرف ما الذي تعنيه خطوة حل التنظيمات داخل السجون يجب علينا فهم الوظيفة العملياتية اليومية لهذه التنظيمات، فهي مسؤولة عن إدارة شؤون الاسرى إداريًا وثقافيًا وحياتيًا على مدار الساعة، وهي أداة التواصل بين مجموع الأسرى وإدارة السجون، فلا يوجد أحد يستطيع تمثيل الأسرى إلا من هو مكلف تنظيميًا، ولا يحق لأي أسير التواصل أو الحديث مع الإدارة بشكل فردي، والتنظيم هو من يقرر الخطوات التصعيدية ضد الإدارة وبالتالي فإن التنظيم هو المسؤول عن الاستقرار الأمني للسجن والكلمة الأولى والأخيرة له.
حل التنظيم يعني انعدام الحياة التنظيمية والإدارية للأسرى، فيتم إيصال رسالة لإدارة السجن أنه لا يوجد من يمثل الأسرى وأن لكل أسير الحق بالتصرف على عاتقه الشخصي، ويقوم التنظيم بسحب ممثليه المتطوعين لتنظيف ساحة القسم وتوزيع الطعام على غرف الأسرى، وبالتالي تصبح النظافة وتوزيع الطعام من مسؤولية السجانين، وتسود حالة من الفوضى وانعدام للأمن، وتصبح الخطورة على حياة السجانين أكبر، فالتفاهمات السابقة التي صاغها كل من الأسرى وإدارة السجون قد ذهبت أدراج الرياح لأن الإدارة بادرت بنقضها في خطواتها التصعيدية الأولى. من المهم أن ننتبه إلى أن هذا القرار يتصل بالعلاقة مع إدارة السجون فقط، أمّا عن العلاقة الداخلية بين الأسرى، فتظل على ما هي عليه.
بإمكاننا القول إن خطوة حل الهيئات التنظيمية هي خطوة تكتيكية لكنها تعتبر من الخطوات المتقدمة في إطار الصراع مع إدارة السجون، وقد استخدم الأسرى هذه الخطوة مرات عديدة في السابق وكان آخرها عام 2015 عندما أعلنت حركة الجهاد الإسلامي حل هيئاتها التنظيمية في السجون الإسرائيلية، «ردًا على تعنّت إدارة مصلحة السجون في الاستجابة لمطالب أسرى الجهاد بعودة المنقولين إلى سجن ريمون وإلغاء العقوبات الصادرة بحقهم». ويمكن التعامل مع حل التنظيمات على أنها مؤشر خطير على حجم الأزمة داخل السجون بين الأسرى والإدارة، والتي من شأنها تفجير الأوضاع لتصل حد الإضراب عن الطعام، وهذا ما بدأ الأسرى بالتهديد به قبل أيام، حيث من المتوقع أن تخوض الحركة الأسيرة إضرابًا عن الطعام، يشمل معظم السجون، وحراك جماهيري في الخارج، مساند لهم، في حال بقيت إدارة السجون، ومن خلفها حكومة العدو، على موقفها من الإجراءات التي اتخذتها بحقهم.