اسماعيل الحلوتي
على بعد أقل من شهر واحد فقط على قرار الحكومة بإعادة فتح الملاعب الرياضية في وجه الجماهير، اهتز الرأي العام الوطني مساء يوم الأحداث 13 مارس 2022 على إثر الأحداث المأساوية التي اندلعت شرارتها مع إعلان صافرة الحكم على نهاية المقابلة في كرة القدم التي جمعت بين فريقي الجيش الملكي والمغرب الفاسي برسم الدور 32 من إقصائيات كأس العرش، والتي جرت أطوارها بالمجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله بمدينة الرباط، وعادت نتيجتها لفائدة الفاسيين بهدفين نظيفين.
ذلك أن مقاطع فيديوهات تم تداولها على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، توثق أ بالصورة والصوت لأمواج من الجماهير الرباطية المناصرة لنادي العاصمة العسكري، ترشق من المدرجات ليس فقط أنصار الفريق الزائر، بل حتى قوات الأمن حظيت بنصيبها من الحجارة، قبل أن تقتحم أرضية الملعب وتهاجمها مباشرة بشكل يعيد إلى الأذهان أشرطة حروب الجاهلية، مما أثار الكثير من الفوضى والعبث بتجهيزات الملعب، وخلف العديد من الإصابات المتفاوتة الخطورة في صفوف رجال الأمن والمشجعين.
وقد سارعت الأجهزة الأمنية إلى مباشرة عملياتها التي أسفرت وفق ما أعلنت عنه في بيان لها ليلة الأحد/الاثنين عن توقيف 160 شخصا ضمنهم 90 قاصرا من المشتبه في تورطهم في ارتكاب أعمال الشغب وحيازة أسلحة بيضاء والسكر العلني البين والرشق بالحجارة وإضرام النار عمدا في الممتلكات العامة والخاصة. وأشارت العديد من وسائل الإعلام إلى إصابة حوالي 103 عنصرا من القوات الأمنية و57 شخصا من “المشجعين” بجروح متفاوتة الخطورة، إذ تم نقلهم على وجه السرعة إلى أقرب المستشفيات من أجل تلقي الإسعافات الأولية الضرورية، فضلا عن أضرار بليغة أخرى لحقت بمرافق الملعب وإضرام النار في دراجة نارية وتحطيم حوالي أربعين مركبة للشرطة والخواص…
فهل من المعقول أن تتحول ملاعبنا الرياضية بعد سنتين من الإغلاق الاضطراري بفعل تفشي جائحة “كوفيد -19” إلى ساحات للتخريب والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، لا لشيء سوى أن بعض أنصار الفريق المنهزم يفتقرون إلى الحس الوطني الصادق والروح الرياضية العالية؟ إنه بحق شيء مخجل أن نرى في مغرب القرن الواحد والعشرين مثل هذه الأحداث المأساوية التي تسيء إلى سمعته، من خلال تدمير شاشات عرض الإشهار وبعض المكاتب ومحتوياتها والاعتداء الشنيع على قوات الأمن وإجبارها على التراجع للخلف واللوذ بمستودعات الملابس هروبا مما يتهاطل عليها من حجارة وبقايا الكراسي، ناهيكم عن استعمال الشهب الاصطناعية في مواجهة أنصار الفريق المنتصر، الذين لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام ما كانوا يتعرضون إليه من حملات هوجاء، وقاموا بالمثل من أجل إرغام المعتدين على التراجع.
ويشار في هذا الصدد إلى أن أحداث “الأحد الأسود” أثارت موجة عارمة من السخط في أوساط المغاربة، إلى الحد الذي ارتفعت فيه الأصوات عبر منصات التواصل الاجتماعية للتعبير عن استنكارها الشديد وإدانتها لأعمال الشغب، مطالبة بتوقيع أقصى العقوبات في حق المتورطين، حتى يكونوا عبرة لمن تسول لهم أنفسهم الإقدام على هكذا تصرفات طائشة. ولم تتأخر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في إصدار بلاغ لها مساء يوم الإثنين 14 مارس حول ما اتخذته من عقوبات في حق الفريقين وجماهيرهما، منها مثلا توقيف جماهير الجيش الملكي ومنعها من التنقل رفقة النادي خارج العاصمة الرباط إلى غاية نهاية الموسم الكروي، وتوقيف جماهير المغرب الفاسي لمبارتين…
وليست ظاهرة الشغب الرياضي بملاعبنا حديثة العهد، فهي من بين أبرز الظواهر الاجتماعية السلبية المنتشرة عبر بلدان العالم، التي تهدد الأمن والاستقرار وسلامة الأفراد وممتلكاتهم الخاصة وحرياتهم. والحال أن كرة القدم من الرياضات الأكثر إمتاعا وشعبية التي ينبغي لها ترسيخ قيم التضامن والتعاون، ونشر السلام وتقريب المسافات بين الشعوب وتوحيدها، بعيدا عن ممارسات العنف والكراهية والعنصرية. غير أن بعض المنحرفين ومنعدمي الضمير ممن يحلو لهم الاصطياد في الماء العكر، لا يدعون فرصة اللقاءات الرياضية مهما كانت غير ذات أهمية تمر دون العمل على استغلالها في إثارة القلاقل والفتن. وهناك أيضا من يجعلون منها لأغراض خاصة وسيلة لتفريغ مكبوتاتهم وأحقادهم، سواء كانوا من أنصار هذا الفريق أو ذاك أو من خارج المحيط الرياضي ككل…
صحيح أن المغرب لم يأل جهدا في محاولة الحد من هذه الآفة المقلقة، إن على مستوى الحملات التحسيسية عبر مختلف وسائل الإعلام أو بين مشجعي الأندية الرياضية، للتأكيد على مدى خطورتها وعواقبها الوخيمة على الأفراد والمجتمع برمته. واعتمد في كثير من المناسبات المقاربة الأمنية الاستباقية، كما لم يفته إحداث فرق أمنية خاصة لتأمين التظاهرات الرياضية بمدينة الدار البيضاء، على أمل أن تعمم التجربة على باقي المدن. والأهم من ذلك عمل على وضع نصوص قانونية لمكافحة العنف المرتكب خلال المباريات والتظاهرات الرياضية، وهو القانون 09.09، الذي يقتضي السهر على تفعيله لما يتضمنه من إجراءات زجرية، قصد معاقبة مقترفي أعمال الشغب والمحرضين على الكراهية، أو الذين تصدر عنهم أعمال منافية للآداب والأخلاق العامة…
وفي انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات الجارية التي ستعتمد بدون شك على كاميرات الملعب للوقوف على ملابسات “الزلزال” المرعب وضبط المتورطين في إحداثه، فإننا نأمل أن يتمكن المغرب الذي عرف بفضل تضامن أبنائه كيف يحاصر جائحة “كوفيد -19″، من الحد كذلك من مخاطر فيروس “الشغب الرياضي” الذي ما انفك يؤرق المسؤولين ويقض مضاجع آلاف الأسر المغربية…