اسماعيل الحلوتي
لولا استضافة تونس للنسخة الثامنة من منتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد 8) خلال يومي السبت والأحد 27 و28 غشت 2022، وإقدام رئيسها الانقلابي قيس سعيد دون أي تشاور مع المسؤولين اليابانيين على دعوة إبراهيم غالي الذي اشتهر بلقب ابن بطوش زعيم ميليشيا البوليساريو الانفصالية والإرهابية، واستقباله بشكل رسمي في مطار قرطاج الدولي، ما كنا لنتأكد من أن عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية كان صادقا حينما وصف بلاده ذات لقاء إعلامي ب”القوة الضاربة” التي لا يمكن لأي قوة فوق الأرض أن تضاهيها.
ترى أين تكمن عناصر هذه القوة الضاربة؟ هل في جيشها العسكري بقيادة شنقريحة أم فيما تتوفر عليه من ثروة طبيعية من النفط والغاز التي تمثل 97 في المائة من المداخيل بالعملة الصعبة؟ لا هذه ولا تلك. وليس أيضا لكون الجزائر استطاعت في غفلة من المغرب وغيره من البلدان التي تقف إلى جانب قضيته العادلة وتدعم مبادرة الحكم الذاتي في ملف الصحراء أن تحول تونس قيس لولاية تابعة لنفوذها، من خلال منحها مساعدات خفية و”قروض” هامة تخرجها من أزمتها الاقتصادية الخانقة، وإنما لقدرتها “الخارقة” على تحويل طائرة رئاسة الجمهورية إلى حافلة “جوية”، تجمع في رحلة واحدة عددا من الوفود المدعوة إلى المشاركة في أشغال قمة مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا.
حيث وقف ملايين المشاهدين في ذلك اليوم المشهود: السبت 27 غشت 2022، يتفرجون باستغراب شديد على فضيحة من العيار الثقيل إما مباشرة على القنوات التلفزيونية أو عبر موقع “يوتيوب”، وتتمثل الفضيحة في ظهور طائرة تحمل شعار الجمهورية الجزائرية وهي تحط الرحال في مدرج مطار قرطاج. وعلى عكس باقي الطائرات كانت تقل على متنها أكثر من وفد، مما أربك المذيعة التونسية وزميلها اللذين كانا مثلهما مثل عشرات الآلاف من المواطنين عبر العالم ينتظران نزول الوفد الجزائري، فإذا بهما يفاجآن بنزول الوفد البوروندي ثم تلاه بعد حين من نفس الطائرة وفد “جنوب الصحراء” الذي ليس سوى وفد “البوليساريو” الذي حظي قائده باستقبال حار من قبل الرئيس الانقلابي قيس سعيد. وهي المهزلة التي أثارت موجة من التهكم والانتقادات حتى من داخل تونس والجزائر على مواقع التواصل الاجتماعي…
إذ أنه ومهما حاولنا جاهدين أن ننقل للقراء الأعزاء ذلك المشهد السريالي الساخر وغير المسبوق، فإننا وبكل صدق لن نكون موفقين في رسمه بالكلمات، لأن المشهد أكبر وأعمق من كل كلمات سكان العالم في مختلف قواميس اللغة العربية وغيرها من قواميس اللغات الأجنبية، حيث لا ينبغي لتلك اللقطات العجيبة إلا أن ترى رأي العين المجردة لئلا تفقد طابعها الفكاهي، الذي يكشف في ذات الوقت عن غباء “العصابة” التي طالما عودتنا على مثل هذه المساخر في الكثير من المواقف.
فالطغمة العسكرية الجزائرية الفاسدة وكما هي عادتها في الهروب الدائم إلى الأمام وتفاديا لما من شأنه أن يكشف ألاعيبها، لم تتأخر في الدخول على خط الأزمة الدبلوماسية بين تونس والمغرب التي ساهمت في صناعتها، متجاهلة أن “تيكاد” هو أولا وقبل كل شيء مؤتمر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي يجب أن ينأى عن كل المناورات السياسية ومحاولة تأزيم الأوضاع بين الدول الشقيقة والصديقة. حيث أنها أعطت الضوء الأخضر لأبواقها الإعلامية في مهاجمة المغرب، تتقدمها وكالة الأنباء التي سارعت مساء يوم الثلاثاء 30 غشت 2022 إلى نشر مقال لها تستنكر فيه ما أسمته “الحملة الإعلامية المغربية الخسيسة” ضد ولايتها الجديدة ومؤسساتها. والأدهى من ذلك أن “الوكالة” اعتبرت ما قام به المغرب من شجب وتنديد بموقف الرئيس التونسي، الذي لا يمكن تصنيفه إلا في قائمة طعنات الغدر، مجرد “حملة تشويه تم إطلاقها للتستر عن الإخفاقات المتتالية التي منيت بها مؤخرا الدبلوماسية المغربية، في مسعاها الرامي لفرض رؤيتها التوسعية حتى باللجوء للأكاذيب والابتزاز” وهو الادعاء الباطل الذي يصدق عليه القول: “كل إناء بما فيه ينضح”
وجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه المهازل الدبلوماسية، فقد حدثت أخرى مماثلة عند استقبال الرئيس عبد المجيد تبون مرفوقا برئيس أركان الجيش السعيد شنقريحة والطاقم الحكومي، نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون رفقة وفد كبير من الحكومة يوم الخميس 25 غشت 2022 بمطار هواري بومدين. حيث تحولت مراسيم الاستقبال لمشاهد هزلية موثقة في مقطع فيديو، تناقلته على نطاق واسع مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه المصور يحمل كاميرا مشدودة إلى خيوط طويلة وملتوية يمسك بها عدة أشخاص ويحرصون على ألا تتسبب في تعثر الرئيس الفرنسي أو أحد مرافقيه. وهو ما استهجنه الكثيرون، إذ كيف يعقل أن يتواصل العمل بمثل هذه الكاميرات البالية ذات الخيوط المتدلية في بلاد “القوة الضاربة”، بينما وصلت التكنولوجيا إلى مراحل متطورة في سائر بلدان العالم؟
إننا نأسف كثيرا لهذا التحول الطارئ على الرئيس التونسي قيس سعيد الذي من شأنه أن يقود البلاد إلى الهاوية، بعد أن دمر مؤسساتها وعطل الحياة السياسية بداخلها وأصبح سجينا في قصر قرطاج وبمثابة أداة طيعة في أيدي “العصابة”، حيث لا يأتمر إلا بأوامر تبون وشنقريحة ومن معهما. فما لم تستطع هذه الطغمة الفاسدة من “الكابرانات” استيعابه، هو أن تماديها في شيطنة المغرب ومحاولة ضرب مصالحه، لن يؤدي بها إلا إلى مراكمة المزيد من الفضائح والهزائم…