كتبه : الدكتور أحمد الريسوني
انتهى المهرجان الكروي الأكبر : كأس العالم قطر 2022 ، وفاز الفائزون – من الدول والفِرق والأفراد- بما فازوا به من مراتب وألقاب ، وجوائز ومكاسب مادية ومعنوية..
ولكنْ ما لا شك فيه ولا جدال ، هو أن الفائز الأكبر ، الذي حصد أكثر مما حصده الآخرون مجتمعين ، كمًّا وكيفا ، هو دولة قطر. ويكفي أن رئيس هذا المهرجان الكروي ( رئيس الفيفا ) شهد من تلقاء نفسه ، أن دورة قطر هي الأفضل في تاريخ المونديال، على جميع الأصعدة .
و”جميع الأصعدة” التي يقصدها السيد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم هي : الصعيد الرياضي (الاحترافي) ، والصعيد اللوجستي ، والصعيد التنظيمي ، والصعيد الأمني ، والصعيد المالي ، والصعيد الإعلامي .. ولكني الآن أعني أصعدة أخرى ، ربما لا يفكر فيها السيد جياني إنفانتينو ، وهي :
1 – قطر فازت سياسيا :
وذلك حين هزمت كل المناورات المنافِسة والحاسدة والمعادية ، وانتزعت قرار تنظيمها لكأس العالم ، وحين تجاوزت – بحنكة وحكمة – كل الطعون والعراقيل والتشكيكات المضادة للمضي في استحقاقها ، وكذلك حين عززت استقلالها واستعلاءها تجاه كل الضغوط والتدخلات الرامية لانتهاك سيادتها وقوانينها وقراراتها .
2 – فازت بشعار “مونديال العرب” :
وقد نجحت فعلا في أن تجعله كذلك . فقد كان لقطر وشعبها الكريم احتفاء حماسي خاص بكل المباريات التي خاضتها الفرق العربية ، وبذاتِ الحماس والتأييد والتشجيع ، ظل أمير قطر وأفراد أسرته يحضرون مع الفرق العربية في مبارياتها ، ولم يغب الأمير إلا في المباراة التي حضرها الرئيس الفرنسي ماكرون؟! ، ونتيجةً لشعار “مونديال العرب” والتجسيد الفعلي له ، فإن الشعوب العربية تابعت هذا المونديال ، وتابعت المشاركات العربية فيه ، بدرجة من الحماس والتوحد لم يسبق لها مثيل . وقد كان لنجاحات الفريق المغربي الباهرة ، أثر كبير في ذلك . وبذلك تكون قطر قد نجحت في تأجيج مشاعر الأخوة والوحدة بين العرب والمسلمين .
3 – فوز قطر إسلاميا :
وهو فوزها الأعظم والأجلُّ . لقد أثبتت قطر للعالم ، وللمسلمين ، أن لها دينا تعظمه وتلتزم به ، وتعلي شأنه وتدعو إليه ؛
– فقد فسحت المجال وأتاحت الفرص لعدد من الدعاة والعلماء والمفكرين المسلمين ، وجندت آلافا من المتطوعين الشباب ، للتواصل المباشر مع جماهير المونديال ، وتعريفهم بالإسلام ، والإجابة عن تساؤلاتهم ، بمختلف اللغات..
وأعدت للمناسبة ، ولذات الغرض ، ما لا يحصى من المطبوعات واللافتات..
– منعت الدعاية للشذوذ الجنسي ، الذي أصبح ديانة جديدة وعقيدة جنونية لدى الغرب ، وأصبح القبول بهذا الرجس وبتوابعه ، هو عنوان حقوق الإنسان ومعيار وجودها أو عدم وجودها. وقد حاولوا بشتى السبل أن يفرضوا على قطر القبول بهذا الرجس وبأهله ، وبشعاراتهم ورموزهم وحماقاتهم. ولكن قطر صمدت وأعلت كلمة الشرع ومصلحة العباد.
– ومنعت ما صار معتادا للأسف ، من بيع الخمور وتداولها في الملاعب وحواليها وقريبا منها ، لتكتمل بذلك – في زعمهم وأوهامهم – الفرجة والفرحة والنشاط !! وما ذلك إلا استغفال واستحمار ، يمارسه شياطين الإنس والجن على عموم الناس .
وقد شهد كثير من المتفرجين الغربيين – من الرجال والنساء- أنهم قد اكتشفوا في قطر الفرجة الكروية الحقيقية واستمتعوا بها ؛ بلا سكْـر ولا فوضى ولا تحرش ولا شغب ولا تنغيص..
– وعرف مونديال قطر طفرة مذهلة في نصرة القضية الفلسطينية ، التي هي الشاغل الأكبر والهم الأول للعرب والمسلمين ، وأعطى ذلك صفعة موجعة للصهاينة وحلفائهم المطبعين العرب . وتأكد أن رفض قطر للتطبيع ، ودعمها الكبير لفلسطين ، هي مسألة عقيدة راسخة ، ورؤية واعية .
– وقد أسهم الفريق المغربي بقوة ، في إبراز القيم والمبادئ الإسلامية ، وتكاملَ مع الوجه الإسلامي للموقف القطري وعززه ، وذلك بأنوار التدين ومظاهره البادية في سلوك اللاعبين المغاربة وفي نجاحاتهم ، التي عُدَّت بحق مفاجأة هذه الدورة المونديالية .
وقد لاحظ بعض النبهاء أن الغرب أراد أن يجعل من هذا المونديال فرصة كبرى لهدم قيم الأسرة ، وإعلاء قيم الإباحية العبثية ، وغزو المسلمين في ديارهم ، ففشلوا في ذلك ، بينما سطعت القيم النبيلة للأسرة ، وارتفعت أسهمها على أيدي الفريق المغربي ، من خلال بر الوالدين والاعتزاز بالأمهات الكادحات .
وقد استوعب كثير من الغربيين هذا الدرس الإسلامي -الجليل والبسيط معا- وفهموا ، أن الإسلام يمكن أن يقدم لهم وللبشرية ما لن يجدوه في غيره.والمسلمون – حكاما وشعوبا – أولى بأن يستفيدوا هذا الدرس ، وغيره من الدروس التي قدمتها دولة قطر ، واستحقت بها أن تكون شامة بين الناس ، وشامة بين المسلمين ، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله : ” فأحسنوا لباسكم ، وأصلحوا رحالكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس . إن الله لا يحب الفحش والتفحش “