اسماعيل الحلوتي
في غمرة الاحتفالات والأفراح التي يعيش على إيقاعها الشعب المغربي بمناسبة ما حققه المنتخب الوطني المغربي من إنجاز استثنائي رفيع المستوى في منافسات كأس العالم، التي حظيت دولة قطر بشرف تنظيمها في الفترة الممتدة ما بين 20 نونبر و18 دجنبر 2022 بالعاصمة الدوحة، حيث أنه استطاع بفضل أدائه الجماعي المتميز والروح القتالية والانضباط التكتيكي والغيرة الوطنية، أن يقف ندا للند في وجه أعتى المدارس الكروية الأوروبية ويبلغ المربع الذهبي، والفوز بقلوب الملايين في مختلف بقاع الأرض…
وفي الوقت الذي كادت تتلاشى فيه أصداء فضيحة التلاعب والاتجار غير المشروع في تذاكر نصف نهائي كأس العالم بين منتخبي الديوك والأسود، وبينما كانت استعدادات استقبال المنتخب الوطني المغربي، تجري على قدم وساق عقب إعلان وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، عن صدور تعليمات ملكية سامية بتخصيص استقبال شعبي وجماهيري عصر يوم الثلاثاء 20 دجنبر 2022 يكون في مستوى المسار اللامع الذي حققه “وليدات الركراكي” منذ حلولهم بمطار الرباط- سلا، على أن تعبر بهم الحافلة المكشوفة التي ستقلهم مجموعة من الشوارع وصولا إلى القصر الملكي العامر، حيث سيحظون بلقاء ملكي مباشر احتفاء وتقديرا بما بصموا عليه من إنجاز تاريخي غير مسبوق في القارة الإفريقية والعالم العربي…
فإذا بنا نفاجأ بخبر يقع كالصاعقة على رؤوس المغاربة وخاصة المهتمين بالشأن الرياضي الوطني، ويتمثل في فضيحة مدوية بطلها ليس سوى اللاعب الدولي السابق مصطفى حجي، الذي قررت اللجنة التأديبية التابعة للاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف” توقيفه رسميا عن مزاولة أي نشاط رياضي ذي علاقة بكرة القدم لخمس سنوات، إثر إقدامه على تزوير دبلوم التدريب الخاص بصنف “أ”.
ترى من يكون مصطفى حجي؟ إنه واحد من بين أبرز نجوم كرة القدم المغربية، تمكن في وقت سابق من امتلاك قلوب المغاربة حين فضل في سنة 1993 ارتداء قميص المنتخب المغربي عوض قميص المنتخب الفرنسي. مما سمح له بالمشاركة مع “الأسود” في مونديال أمريكا سنة 1994، لكنه ظهر بصورة لافتة في منافسات كأس العالم التي أقيمت بفرنسا سنة 1998، حيث سجل أول أهدافه المونديالية في مرمى المنتخب النرويجي (2/2)، مخلفا وراءه ذكريات خالدة. وهي نفس السنة التي سجل فيها أشهر أهدافه بضربة مقص في مرمى منتخب “الفراعنة” المصري في كأس أمم إفريقيا ببوركينا فاسو، ليتوج حينها بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في القارة.
ومباشرة بعد إعلانه عن اعتزاله اللعب، قرر رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع الاستعانة به كمدرب مساعد للناخب الوطني بادو الزاكي في عام 2014، غير أنه لم يلبث أن انقطع خيط الود بينهما، ليتهمه الأخير بتورطه في الإطاحة به تمهيدا لاستقدام الناخب الفرنسي هيرفي رينارد مكانه. وبالرغم من رحيل الناخب الفرنسي في 2019، تم الاحتفاظ به في الجهاز الفني الجديد ويرافق الناخب الوطني البوسني وحيد خاليلوزيتش بين سنتي 2019 و2022 إلى أن تم الاستغناء عنه في فبراير 2022 بعد ثماني سنوات متتالية كمساعد للمدرب، وهي مدة لم يسبق لأحد قبله أن قضاها في ذات المنصب.
وهي الفضيحة التي أعادت إلى الأذهان فضيحة أخرى مماثلة في عالم كرة القدم المغربية، وكان بطلها الإطار الوطني، مدرب الرشاد البرنوصي واللاعب الدولي السابق يوسف روسي، الذي سبق لذات اللجنة التأديبية في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم أن قررت منعه من ممارسة أي مهام مرتبطة بكرة القدم لمدة خمس سنوات بسبب التزوير، مشيرة في بيانها إلى أنه قدم ديبلوما مزيفا، لعدم أهلية حصوله على ديبلوم التدريب من صنف “أ” من الاتحاد البوركينابي لكرة القدم، بعد أن تم فتح تحقيق حول شهادة التدريب المعتمدة من قبله، إثر توصل ال”كاف” بعديد الشكايات المشككة في مصداقيتها.
ويشار في هذا الصدد إلى أن يوسف روسي سبق له اللعب في نادي الرجاء البيضاوي ثم انتقل للاحتراف في مجموعة من الأندية الأوربية، وتمكن بعدها من تمثيل ألوان “أسود الأطلس” كمدافع في الفترة الممتدة من 1996 إلى غاية 2001، حيث جاور زميله مصطفى حجي في مونديال 1998 بفرنسا.
فمن غير المقبول أخلاقيا ولا رياضيا أن يقع في شباك التزوير بعض نجومنا الكروية من الذين تسللوا إلى قلوب الجماهير الواسعة وحققوا مجدا كرويا خالدا بفعل ما قدموه من إنجازات رائعة مع منتخب بلادهم، ولاسيما أن التزوير من الآفات الاجتماعية المنهي عنها شرعا والمجرمة قانونا، التي يلجأ إليها بعض ضعاف النفوس من الذين أعمى الجشع والكسب غير المشروع أبصارهم وبصائرهم بسبب انعدام الضمير وغياب الوازع الديني والوطني والأخلاقي لديهم، سواء للتضليل أو التباهي بما لا يستحقونه.
إذ أنه من الممكن أن نتفهم على مضض أن يقدم بعض الأشخاص مضطرين على تزوير شهادات مدرسية أو بعض الوثائق الإدارية بسبب أوضاعهم الاجتماعية المزرية أو مستوياتهم التعليمية المتدنية، بحثا عن فرص عمل أو كسب قوت يومهم، بيد أننا نرفض بشكل قاطع أن يقوم نجم رياضي مشهور بتحطيم كل ما بناه من مجد كروي على صخر التزوير، فيما يفترض فيه أن يكون قدوة في النزاهة والأخلاق العالية، خاصة أن النبي الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حذر من فعل التزوير بقوله: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: الإشراك بالله، عقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور”