محمد عصام
منقول عن موقع: pjd .
ترددت كثيرا قبل الشروع في كتابة شيء على ما اقترفه وزير “ما تبقى من العدل” عبد اللطيف وهبي وهو يخدش مسامع المغاربة بكلام لو قيل في بلد غير المغرب، لكان مصير صاحبه هو الإعفاء من المسؤولية الحكومية بلا إبطاء !!!
ترددت ليس لأن لدي شك أو ريبة في الحضيض الذي أوصلنا إليه وهبي ووزراء نكسة 8 شتنبر، بل لأن الأمر مثير للقرف حقيقة وإلى درجة لا تتصور!!!
فبماذا ستفيد الكلمات ولا المقالات ولا غيرهما، وسمعة بلد اسمه المغرب تم “مرمدته ” بسبق الإصرار والترصد، وكأن مقترفي هذه” المرمدة” يمعنون في دفن كل المجد والانتشاء الذي أحس به المغاربة وطربوا له اشد الطرب بإنجاز الأسود “المرضيين” في قطر قبل أيام قليلة.
وكأن أيادٍ خفية وماكرة، تريد أن ترد المغاربة من حلم تمدد في مشاعرهم وبين جوانحهم، وتقول لهم “راه المغرب هذا.. وفيقوا من الأحلام”.
وفعلا فإن هؤلاء الفشلة وأعداء النجاح، قد أزعجتهم رسائل الركراكي وفريقه، والتي تنتصر لقيم “المعقول” و”النية” و”الخدمة” وحب الوطن، ولا يريدون لهذه الرسائل أن تتمدد في كل الاتجهات، لأنها وباختصار شديد تعني نهاية عهد وبداية آخر جديد مؤسس على الانتصار لقيم الكفاءة والمسؤولية.
إن الأمر هنا لا يتعلق بحادث معزول أو بمباراة محددة، بل يتعلق بمنظومة متكاملة يشد بعضها بعضا، فقبل أيام فقط انفجرت فضيحة كبرى في المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالدار البيضاء ENCG ، حيث تم الكشف رسميا عن وجود اسمين ناجحين في سلك الدكتوراه دون أن يكونا ضمن لائحة المترشحين التي ضمت 140 اسما، ولم يكونا أيضا وبالتبع ضمن لائحة 15 الذين تم انتقاؤهم، كما لا نحتاج إلى التذكير بفضائح جامعة سطات وما اصطلح عليه بفضيحة “الجنس مقابل النقط” والتي أدين فيها من أدين بالسجن النافذ، وهذه الممارسات ليست حكرا على مباريات التوظيف أو امتحانات الجامعة، لكن الغش والاحتيال والفساد عموما، أصبح منظومة متكاملة وتتوفر على “حراس معبدها” ، يدودون عنها وينافحون عليها أناء الليل وأطراف النهار وبكل الوسائل، ولهم ألف وسيلة ووسيلة للدفع في اتجاه التطبيع مع الظاهرة والاستسلام لمنطقها، الذي يعبُر كل المجالات ولم يسلم منه مجال دون آخر، فالصفقات العمومية مثلا ورغم كل الترسانة القانونية التي تم اعتمادها فهي مرتع للفساد وترضية أولي القربى والمنعم عليهم، وهذا من “المعلوم في الصفقات بالضرورة”، حتى أنه يروى أن بعض المسؤولين في هذا البلد السعيد يقومون بنقل مقاولات للاشتغال في الجهات والمناطق التي يعينون بها، فليس غريبا أن تجد مقاولة ما تفوز بصفقات في جهة معينة يوجد بها ذلك المسؤول، ثم حين يتم تعيينه في جهة أخرى تظهر نفس المقاولة للظفر بالصفقات في الجهة الجديدة، وغيرها من الأساليب التي تزكم رائحتها الأنوف.
في السياسة والانتخابات، القصة معروفة ومكشوفة وتم التطبيع معها بشكل كبير، حتى أصبحت المسؤوليات الانتدابية تورث للأبناء والزوجات والحفدة، وقصة 8 شتنبر سيظل التاريخ يرويها بأسف ممزوج بالخجل للأجيال المقبلة على اعتبارها مذبحة حقيقية للديمقراطية والنزاهة، ولكم تمنيت أن يلتزم رئيس الحكومة ومن معه في طبخة 8 شتنبر، بما طلب به المعارضة في المجلس الجماعي لأكادير نهاية الاسبوع الماضي، حين قال لهم بأن ينظروا كل يوم في المرآة ليعرفوا حقيقة وجوههم، فهلا نظر هو وفريقه الحكومي في المرآة بعد مرور سنة وما يقارب النصف، وأخبرونا كيف وجدوا أنفسهم وهل فعلا تعرفوا على وجوههم في المرآة؟
إن الضجة التي فجرتها نتائج مباراة المحامين،تفرض على وهبي الوزير عوض “سلاطة اللسان” والتهديد بالمتابعات واحتقار تفاعل المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحقير الجامعة المغربية، والتبجح على رؤوس الأشهاد بأنه “لا باس عليه” وأرسل ولده للدراسة بكندا في رسالة غبية للمواطنين البسطاء، كان المفروض عليه أن يتواضع قليلا و”وينسِّب الأمور”، وأن يتحلى بالشجاعة والجرأة، ويفتح تحقيقا في الموضوع، لأن الأمر هنا يتعلق بالمصداقية وهي أعز ما يطلب، وبدونها لن تقوم لنا قائمة، خصوصا أن ما يتم تداوله على نطاق واسع ومن شهادات صادمة تفرض ذلك وترفعه إلى درجة واجب الوقت، أما المزايدة والهروب إلى الأمام فإنه لن يجدي شيئا، وسيُبقي على أسئلة الاستفهام منتصبة إلى أجل غير مسمى، وسيعمق اللاثقة المتنامية بين المواطنين والمؤسسات.
وهبي معروف ومشهود له بهذا الأسلوب و “النزقية ” في الخطاب، وكلنا يتذكر قصته في تارودنت مع المندوب الإقليمي للثقافة هناك، وقوله أنه يعرف حتى لون جواربه فبالأحرى أن لا يعلم أمورا أخرى أكبر، لكن الجديد هذه المرة هو هذا الإصرار والمكابرة والتعنت، رغم أن المؤشرات كلها ضده وضد خرجاته، ابتداء مما راج حول تسرب ورقة الامتحانات إلى وسائل التواصل الاجتماعي، مرورا بالأسماء المشبوهة، وليس انتهاء بحديث البعض عن ورود أسماء في لائحة الناجحين غير موجودين ضمن لوائح المترشحين.
هي ملاحظات على هامش متن سيء الإخراج نثن الرائحة بطله الوزير وهبي ، فيه تلاعب بمصير فئات عريضة من الشباب، وإصرار على ردم كل جسور الثقة بينهم ومؤسسات بلدهم، وإمعان في حرق كل السفن التي يمكن بها العبور إلى مغرب “النية” و “المعقول” وتكافؤ الفرص”.