الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

اسماعيل الحلوتي 

يحز في النفس كثيرا أن نعيش على إيقاع حالة الانحدار وتلاشي القيم الأخلاقية، وتفقد عديد الأشياء الجميلة بريقها إلى حد فقدان الكثير من المواطنات والمواطنين طعم الحياة. لاسيما أنهم يرون عددا من الفاعلين السياسيين ممن تناوبوا على تدبير الشأن العام، يمعنون في الإساءة إلى السياسة ويفرغونها من نبلها العميق، بما يقدمون عليه من تهريج سياسي وخطاب أهوج، بعيدا عن النضج الفكري والقدرة على الخلق والابتكار واستشراف آفاق المستقبل، مما يثبط عزائم الشباب ويجعلهم ينأون بأنفسهم عن الفعل السياسي والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية.
ذلك أنه خلافا لما مضى احتلت مظاهر العنف اللغوي مساحة واسعة في الخطاب السياسي، بكل ما لذلك من آثار سلبية على المجتمع. حيث أصبح التعبير الانفعالي والاستفزازي السمة البارزة في لغة بعض قادة الأحزاب السياسية، مما أدى إلى تراجع السلوك السياسي القويم بين الفرقاء والنخب السياسية، إن على مستوى الألفاظ المسموعة أو التراكيب والصياغات المكتوبة. وهو ما جعل بعض المهتمين بالحقل السياسي يسجلون بامتعاض شديد خلال السنوات الأخيرة انحراف الخطاب السياسي، الذي غالبا ما أصبح يأتي مشحونا بالعواطف السلبية لدى بعض أمناء الأحزاب، وفي مقدمتهم عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي يفترض فيه أن يكون نموذجا يحتذى في جميل القول والفعل، عوض التبجح بقراراته الجائرة مثل تحرير أسعار المحروقات وغيره…
فما كنا لنعود إلى الحديث عن هذا التدني في الخطاب السياسي لولا إصرار صاحب أكبر معاش استثنائي على التمادي في تمييع الحياة السياسية واستفزاز ليس فقط خصومه السياسيين، بل حتى مشاعر المواطنين الذين لم ينفكوا يعلقون آمالا كبيرة على النخب السياسية في الارتقاء بمستوى الخطاب قبل الانكباب على النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي ازدادت تفاقما بفعل سوء التدبير وفشل السياسات العامة. إذ لم تعد خرجاته الإعلامية تخلو من انزياح عن الصواب والاحترام الواجب.
ذلك أن ابن كيران ومنذ إعفائه من تشكيل حكومته الثانية لإخفاقه في تشكيل فريقه الحكومي المفترض، وهو لا يتوقف عن الهجوم والتنمر على البشر والحجر، ويصر على ألا يترك أي فرصة تمر دون أن يحشر أنفه فيها، مستغلا في ذلك لقاءات وأنشطة الحزب أو عبر موقعه الإلكتروني، جاعلا من نفسه الآمر الناهي الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، معتقدا أن ما يصدر عنه من تصريحات يرقى إلى مستوى أقوال “الرسل والأنبياء”، وأنه بات شخصا فوق أي مساءلة أو انتقاد، ولا يجوز لأي كان الاعتراض على كلامه والاختلاف معه حوله مهما تضمن من ألفاظ سوقية وجارحة أحيانا.
فبعد اتهامه للقيادي بحزب التجمع الوطني للأحرار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس بالكذب، خلال لقاء نظمه حزبه “العدالة والتنمية” بمدينة فاس، على خلفية ما أدلى به من تصريحات حول أسعار بعض المواد الغذائية إبان موجة الغلاء المتصاعدة، إذ قال ابن كيران حينها: “إن هناك شبه إجماع على أن الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفي بايتاس يكذب ويبالغ في ذلك”
أصبح في الأيام الأخيرة يوجه مدفعيته صوب عبد اللطيف وهبي وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث أنه وبعد أن سبق له دون أدنى تقدير واحترام للمكان والمناسبة، أن اتهمه بمحاولة إفساد المجتمع من خلال دفاعه المستميت عن “العلاقات الرضائية”، وذلك أمام ضريح المغفور له الملك محمد الخامس، بمناسبة إحياء ذكرى رحيله، غير عابئ بتوافد عدد كبير من الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية البارزة. ثم لم يلبث أن عاد من جديد لاستغلال فرصة إلقاء الكلمة في المهرجان الخطابي الذي نظمه الاتحاد الوطني للشغل (الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية) بالدار البيضاء يوم فاتح ماي 2023 بمناسبة عيد الشغل، ليصفه في واضحة النهار وتحت الأنظار بأنه ليس سوى “داعية من دعاة الفساد والاستبداد”
وقد أبى إلا أن يوجه سؤالا عبر الهواء إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حول ما إذا كان غير قادر على إسكات وزيره في العدل الذي ينتقل من فضيحة إلى أخرى ومن غباء إلى آخر دون حسيب ولا رقيب، واصفا حزب “الأصالة والمعاصرة” بحزب التحكم الذي تأسس من أجل بسط نفوذه على البلاد والعباد، والذي ظل يشكل خطرا داهما على الجميع، لولا أن حزبه قرر مواجهته والتصدي له منذ نشأته الأولى.
وهو أسلوب استنكره الكثير من الفاعلين السياسيين والمواطنين، باعتباره أسلوبا فجا ويتعارض مع ضوابط وأخلاقيات النقاش وينحرف عن الأهداف السامية للعمل السياسي، الذي يجب أن ينحصر في مناقشة الأفكار والبرامج والدفاع عن المبادئ والمواقف، بعيدا عن مهاجمة الأشخاص وتبادل الاتهامات، مما قد ينعكس سلبا على المواطنين ويؤدي بهم إلى النفور من السياسة والمشاركة في الانتخابات…
إن المغاربة ليسوا بالسذاجة التي يعتقد بعض الانتهازيين الذين يجعلون من ممارسة السياسة مطية للوصول إلى أهدافهم الشخصية، كما أنهم ليسوا بحاجة إلى مهرجين يستنزفون الخزينة العامة نظير أدوار هجينة. بقدر ما هم في أشد الحاجة إلى وطنيين شرفاء يحترمون أنفسهم وعامة الشعب، فالأوضاع لم تعد تتحمل المزيد من العبث والتهريج السياسي ولا تلك المعارك الكلامية غير المجدية، في ظل تردي الأوضاع واستشراء الفساد وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
اسماعيل الحلوتي

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *