بقلم أبو أيوب
اليوم و على ما يبدو ، من متغيرات و احداث طفت على سطح العلاقات المغربية الامريكية ، أن الادارة الحالية برئاسة جو بايدن قد خرجت من المنطقة الرمادية فيما يتعلق بقضية الصحراء ، استجابة للخطاب الملكي ليوم 20 غشت الماضي بمناسبة تخليذ ذكرى ثورة الملك و الشعب ، خطاب ملكي سامي حمل رسائل للحلفاء التقليديين و الجدد يطلب منهم تحديد موقفهم من قضية الصحراء .
من المتغيرات الطارئة المقلقة و المؤرقة للمغرب ، نستعرض في مقالنا هذا موقفي كل من الولايات المتحدة الأمريكية و اسرائيل ، من زاوية التزامات الأطراف الثلاثة الموقعة على الاتفاقية الابراهيمية ، و التي بموجبها تم الاعلان عن اعتراف الرئيس ترامب بمغربية الصحراء كما جاءت في تغريدة له على حسابه الشخصي بتويتر ، و ما التزمت ادارته به بفتح قنصلية لها بمدينة الداخلة حاضرة اقليم وادي الذهب .
لحدود الساعة لا شيء من هذا القبيل حصل ، بل العكس الذي تم تسجيله في اكثر من مناسبة …كيف ذلك ؟
* من بين ما جاء في التقرير الاخير لكتابة الدولة في الخارجية الامريكية بشأن الوضع الحقوقي بالمغرب و الصحراء برسم 2022 ، اعتراف أمريكي صريح يعتبر جبهة البوليساريو حركة تحرر وطني ، اعتراف بحمولة سياسية تعبر عن الموقف الرسمي الامريكي من النزاع على الصحراء ، مصحوبا بطلب الانخراط في مفاوضات جادة بين طرفي الصراع بدون شروط قبل اكتوبر القادم موعد انعقاد جلسات مجلس الأمن الدولي للنظر في ملف القضية .
* تعزيزا لنفس الرؤية و المقاربة ، السفير الامريكي بأنغولا يوجه دعوة رسمية لسفراء الدول المعتمدين من بينهم ( السفير الصحراوي بأنغولا حمدي ولد ميارة) ، للمشاركة في مراسيم الاحتفال بالذكرى 247 لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية ، فضلا عن التصريحات الرسمية للسفيرة الامريكية بالجزائر العاصمة ، تصريحات في مجملها تعبر عن توافق الرؤى بين البلدين بخصوص قضية الصحراء الغربية بحسب السفيرة نفسها ، معربة في نفس الوقت عن رغبة الادارة الامريكية في تقوية العلاقات الثنائية في كافة المجالات .
* الحليف الاسرائيلي سار على نفس النهج لكن بأسلوب حربائي لا يخلو من خبث و ابتزاز ، تناقض تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بخصوص ملف الصحراء يعطي الانطباع بانها ترغب في ربح مواقف بدون مقابل ، ففي الوقت الذي اعلن رئيس الكينيست الاسرائيلي في لقاء جمعه بنظيره المغربي بالرباط ان الصحراء مغربية و المغرب بلده ، تقوم حكومة اسرائيل باعلان شروط تعجيزية مقابل اعترافها بمغربية الصحراء ، من قبيل ربط اعترافها باعتراف الاتحاد الاوروبي رغم علمها بأن الأمر جد مستبعد ، او من خلال اشتراطها عقد قمة النقب 2 التي كان من المفروض ان يستضيفها المغرب بمدينة الداخلة ، لكنها تأجلت لأكثر من مرة لأسباب عدة تضاربت حولها الأقوال ، بين قائل بأن الأمر يتعلق بالموقف الرسمي المغربي المعارض لمارسات حكومة بنيامين نثنياهو بالمسجد الاقصى و القدس و عموم الضفة الغربية ، و قائل برفض كل من امريكا و اسرائيل و مصر المشاركة في قمة النقب 2 في حالة اصرار المغرب على استضافتها بالداخلة .
بالتالي تموقع هذه الدول وراء الشرعية الدولية لا يترك للمغرب اي مجال للمناورة ، بحيث بات يبدو و كأنه يعاني من عزلة دولية تتخللها ازمات سياسية مع محيطه الاقليمي و الجهوي و الدولي ، موريتانيا مثلا شاركت في قمة الدول الداعمة للدولة الصحراوية التي استضافتها الجزائر ، فيما حكومة سانشيز المنتهية عهدتها بخطر المغرب برفضها تسليمه ادارة المجال الجوي للصحراء ، في الوقت الذي يعلن فيخو زعيم الحزب الشعبي وسط اليمين و الاوفر حظا لترأس الحكومة المقبلة ، بأنه سيعيد النظر في الموقف الذي اعلنه سلفه الداعم للمقترح المغربي ، اما دوليا و اخص بالذكر تصريحات الامين العام الأممي انطونيو غوتيريش بباريس قبل ايام ، تصريحات كلها تلميحات الى المغرب كونه الطرف المعطل للمسار الأممي لانهاء الصراع بالصحراء .
* انعقاد الدورة 53 لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بجنيف السويسرية ، بتقديري هو فرصة أخرى لمزيد من الضغط على المغرب خاصة فيما يتعلق بمسألة حقوق الانسان بالصحراء ، و قد تأكد هذا خصوصا بعد التصريح الرسمي للسيد فولكر وولك رئيس المفوضية السامية ….عن نيته اعادة احياء البعثاث التقنية للصحراء الغربية على ضوء المشاورات الجارية بين المفوضية و المملكة المغربية . للاشارة و لمزيد من تسليط الضوء على قضية الصحراء ، تزامنت تصريحات المفوض الأممي لحقوق الانسان مع نشر صحيفة فورين بوليسي الامريكية تقريرا استطلاعيا حول الواقع بالصحراء ، حيث أكد التقرير بأن المنطقة تعيش فصول حرب استنزاف ثانية بالصحراء الغربية ، حرب اعلنتها جبهة البوليساريو فيما المغرب ينفيها و ينكرها ، للاشارة الوفد الصحافي الامريكي قام بزيارة لمخيمات تندوف التقى خلالها بعض مسؤولي الجبهة ، و من غير المستبعد ان يكون قد قام بزيارة لبعض مواقع البوليساريو شرق الجدار الدفاعي المغربي.
كما علينا ايضا استحضار مواقف بعض الدول التي كانت تدعم المقترح المغربي بمنح ساكنة الصحراء حكما ذاتيا ، و تراجعها اليوم ككينيا مثلا و تغريدة رئيسها الجديد التي حذفت و استبدلت بموقف معترف بالجمهورية الصحراوية ، او جمهورية صربيا مؤخرا التي أكدت على دعمها للمسلسل الذي تقوده الأمم المتحدة و مساندتها لمساعي المبعوث الشخصي للامين العام الاممي للصحراء السيد ستافان ديميستورا ..مجموعة مواقف معبر عنها رسميا تعطي الانطباع بان اي حل للنزاع مهما كان نوعه ( حكم ذاتي.انضمام.استقلال….) يمر بالضرورة عبر تنظيم استفتاء تقرير المصير وفق القرارات الاممية ذات الصلة ، و هذا معناه سقوط أكذوبة روج لها البعض تقول بان ملف الصحراء حسم ، و تم سحبه من اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار بتعليمات سامية ملكية كما جاءت على لسان السيخ بيد الله ، رئيس مجلس المستشارين و وزير الصحة و زعيم حزب الاصالة و المعاصرة السابق .
انبعاث المارد ثانية من تحت الرماد ، مؤازرا بعدم تجديد اتفاقية الفلاحة و الصيد البحري بين المغرب و الاتحاد الاوروبي ، ثم مدعوما بالمواقف الامريكية المعلنة مؤخرا ، فضلا عن الشروط الاسرائيلية التعجيزية و مواقف الدول الاوروبية خاصدة دول شمال القارة ، تنضاف لهم مواقف كل من روسيا و الصين لتصب المواقف مجتمعة في آخر المطاف في صالح من ينازع المغرب على السيادة ، بحيث لم يتبقى أمام المغرب سوى التفاوض مع من سماهم بالانفصاليين و نعثهم بقطاع الطرق و وصفهم بالمرتزقة و المغرر بهم ، و بمجرد بداية المفاوضات يسقط قناع حسم الملف و معه تتبخر اكذوبة سحبه من التداول في اروقة الامم المتحدة ، فما البديل في حالة رفض المغرب التفاوض ؟ و هل يدخل ملف الصحراء ضمن بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ؟ و في حالة انصياع او اذعان او قبول المغرب باجراء استفتاء تحت اشراف أممي و بضمانات دولية ، فما المتوقع حصوله اذا ما كانت النتيجة مخيبة لآمال المغرب …هل ينسحب من الصحراء و يتحمل تبعات الانسحاب على الصعيد الوطني و الشعبي ؟ أم سيحارب من اجلها مهما كلفه الأمر حتى لو اقتضى الامر التعرض لحصار و فرض عقوبات كما حصل للعراق ؟