اسماعيل الحلوتي
مما لا جدال فيه ولا اختلاف حوله أن الهواتف الذكية، هي نوع من الهواتف المحمولة أو النقالة ذات الاستعمال المتعدد، التي ظهرت إلى الوجود في عام 1996 وتعمل في الأعم بشاشة لمس، إلى جانب إمكانية استخدامها كحاسوب صغير، لتيسير عمليات التواصل وتخزين الصور والملفات المهمة وغيرها. وقد ساعدت سهولة استخدامها في سرعة انتشارها عبر العالم، وباتت اليوم تلعب دورا كبيرا في حياة الناس، إذ تساهم في إنجاز عدة أنشطة اجتماعية وتيسير إدارة العديد من الشركات والمشاريع الاقتصادية.
وفضلا عما لهذه الهواتف الذكية من إيجابيات في حياة المتعلمين والطلبة والمدرسين أنفسهم، من حيث تيسير سبل البحث والمعرفة متى ما تم حسن استغلالها في الاتجاه السليم. كما أنها تعمل على توفير إمكانية الاطلاع والقراءة الرقمية للملفات على اختلاف أنواعها التربوية والثقافية والاقتصادية وسواها، وتفسح المجال كذلك أمام مستخدميها في تبادل الصور والفيديوهات بشكل سريع، بالإضافة إلى حفظ المعلومات الرقمية والرسائل.
فإن لها في المقابل سلبيات صحية واجتماعية خاصة على الأسر، ومن بينها حدوث مشكلات في العين نتيجة الأشعة الخارجة من الهواتف، التي تؤثر مباشرة على شبكة العين بما يترتب عنه ضعف البصر، فضلا عن كونها تؤدي إلى قلة الإدراك واضطرابات في النوم وعدم التركيز، تساهم بدورها بالنسبة في تعلم سلوكيات خاطئة بالنسبة للمتعلمين، ومن شأنها أن تقودهم إلى القيام بأفعال لا أخلاقية وغير مشروعة مثل التقاط صور غير ملائمة والغش في الاختبارات، وممارسة ألعاب إلكترونية بدلا من الانتباه للدروس والتركيز على الفهم والاستيعاب…
ويعود السبب في إعادة طرح موضوع الهواتف الذكية داخل المؤسسات التعليمية، إلى ما دعت إليه الحكومة الهولندية يوم الثلاثاء 4 يوليوز 2023 حول حظر الهواتف المحمولة والساعات الذكية داخل المدارس الثانوية، باعتبارها أجهزة للتشويش على التلاميذ أثناء تلقي حصصهم الدراسية، إذ طالبت الوزارة الوصية إدارات المؤسسات التعليمية بضرورة الاتفاق مع المدرسات والمدرسين وأولياء التلاميذ، اعتبارا من فاتح يناير 2024 على منع استخدام هذه الهواتف والساعات الذكية، معتمدة في ذلك على مجموعة من الأدلة التي تثبت بوضوح ما لهذه الوسائل من تأثير ضار أثناء الدراسة، قد تساهم في الحد من تركيز التلاميذ، وبالتالي الانعكاس السلبي على أدائهم الدراسي ومستواهم التعليمي، وأنه لمثل هذه الأسباب وغيرها تقرر عدم السماح باستعمال الهواتف والأجهزة اللوحية أو الساعات الذكية في الفصول الدراسية…
بيد أنه بالرغم من أن بلادنا لا ترقى إلى مستوى دولة هولندا وخاصة فيما يتعلق بقطاع التعليم، فقد سبق لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في عهد الوزير سعيد أمزازي المحسوب على حزب الحركة الشعبية، أن رفعت مذكرة تحت رقم: 2018/01 بتاريخ 22 يناير 2018 حول موضوع: “منع استعمال الهاتف النقال بالمؤسسات التعليمية” للمديرين الإقليميين والمفتشين ومدراء المؤسسات التعليمية تشعرهم من خلالها بالقرار القاضي بمنع استعمال الهواتف النقالة من قبل التلاميذ والأساتذة داخل الفصول الدراسية، وذلك على خلفية استخدام عدد من التلاميذ الهواتف الذكية داخل أقسامهم والقيام بتوثيق بعض الاعتداءات على الأساتذة. وتطالبهم في هذا إطار باتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات كفيلة بالحيلولة دون استخدام الهواتف داخل حجرات الدرس بالنسبة للتلاميذ والأساتذة على حد سواء، قصد توجيه الدراسة نحو فعالية أكبر، العمل على محاربة السلوكات المنافية لتحصيل المعارف والقيم التربوية، والسهر على الارتقاء بدور المؤسسات التعليمية وتجويد الخدمات التربوية، بعيدا عن أي انشغال بتصفح الهواتف وتطبيقاتها، وعملا كذلك على ترشيد وتحصين زمن التعلم المدرسي للمتعلمات والمتعلمين، وتوفير الظروف الملائمة لمختلف الأطر التعليمية والإدارية من أجل أداء واجباتها المهنية في أحسن الظروف.
فنحن هنا لا نعترض على منع استخدام الهواتف الذكية داخل الفصول الدراسية، كما أننا لا ندعو إلى حرمان بناتنا وأبنائنا من استعمالها، وإنما ندعو إلى توجيههم نحو حسن التعامل معها واستخدامها في الاتجاه الصحيح لما لها من إيجابيات. وقد أثبتت أهميتها في أكثر من مناسبة وخاصة عند أزمة جائحة كورونا، التي جعلت من التعليم الإلكتروني حلا سحريا لاستمرار الدراسة عن بعد. بعدما تبين جليا أنها تسمح للمتعلمين ببلوغ المحتوى العلمي في أي وقت وفي أي مكان، وتتيح لهم استمرارية التعلم دون انقطاع، واستغلال أوقاتهم بشكل إيجابي، كما أنها تمنح كافة عناصر العملية التعليمية فرصة التواصل الدائم فيما بينهم، بالإضافة إلى فوائد أخرى كثيرة ومتنوعة…
إننا ومن خلال تصفحنا لعدد من المذكرات الوزارية، نرى أنه لا تعوزنا الأفكار والقرارات الهادفة إلى تطوير منظومتنا التعليمية وتكريس القيم الأخلاقية، بقدر ما تعوزنا الإرادة الصادقة والحزم اللازم في تفعيلها وجني ثمارها الطيبة. وإلا ماذا تحقق مثلا منذ مرور أزيد من أربع سنوات على صدور المذكرة الخاصة ب”منع استخدام الهواتف داخل الفصول الدراسية” وغيرها من المذكرات التي تتضمن تدابير وإجراءات كفيلة بالارتقاء بالحياة المدرسية والمستوى التعليمي لتلامذتنا؟