اسماعيل الحلوتي
كما كان منتظرا من قبل ومنذ مراسم توقيع الاتفاق الثلاثي المشترك بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في 22 دجنبر 2020 بالرباط، الذي جاء أياما قليلة بعد الإعلان الأمريكي التاريخي حول سيادة المغرب على الصحراء الغربية وتجديد واشنطن التأكيد على دعمها الراسخ للمقترح المغربي للحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي وعادل ودائم للنزاع الإقليمي المفتعل. ووفق ما سبق أن كشف عنه رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا يوم الخميس 8 يونيو 2023 أثناء زيارته العاصمة المغربية الرباط لحضور مباحثات بالعاصمة المغربية، عن كون مسؤولين إسرائيليين يجرون مشاورات جادة فيما بينهم حول اعتزام بلادهم الاعتراف بمغربية الصحراء في أقرب الآجال.
صدر يوم الإثنين 17 يوليوز 2023 بلاغ للديوان الملكي يزف للمغاربة بشرى اعتراف إسرائيل رسميا بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية. حيث أشار ذات البلاغ إلى أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس توصل برسالة من الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفع من خلالها إلى العلم السامي لصاحب الجلالة قرار دولة إسرائيل “الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية”.
فقد أكد الوزير الأول الإسرائيلي في هذا الصدد أن موقف بلاده هذا سيتجسد في كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة، كما أنه شدد كذلك في نفس الرسالة على أنه سيتم إخبار الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضوا فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية بهذا القرار. وأفاد بأن بلاده تنكب حاليا على دراسة فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، وذلك في إطار تكريس هذا القرار.
وهو القرار التاريخي الذي بقدر ما نزل كالصاعقة على رؤوس الكابرانات في قصر المرادية، وسيرفع بلا شك من وتيرة جنونهم وسعارهم تجاه المغرب وإسرائيل، لاسيما أنه سوف يزيد من عزلة بلادهم الجزائر إقليميا ودوليا بسبب رهانهم الدبلوماسي الخاسر على معاكسة المغرب في وحدته الترابية. بقدر ما خلف ارتياحا واسعا في أوساط الشعب المغربي والكثير من البلدان الشقيقة والصديقة وعدد من الشخصيات السياسية البارزة عبر العالم. وبهذه المناسبة قال “بيتر فام” العضو البارز في مركز التفكير الأمريكي المرموق “أتلانتيك كاونسل” بأن “قرار دولة إسرائيل الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، يعكس النجاعة الدبلوماسية المغربية التي تتميز بمقاربتها الفاعلة والاستباقية، في ظل القيادة المتبصرة للعاهل المغربي، المسنودة برؤية حصيفة تم صقلها في إطار من الصبر والشرعية التاريخية”.
فالاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء يأتي في وقت يحتاج فيه المغرب إلى تعزيز موقفه من قضيته الوطنية الأولى، بعد أن استطاع حشد الاعتراف الأمريكي وتأييد أكثر من 15 دولة أوروبية لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه منذ سنة 2007، ومن شأنه كذلك وإلى جانب دعم الإجماع الدولي الحالي المؤيد للجهود المغربية الرامية إلى إيجاد حل سياسي عادل ونهائي للنزاع المفتعل من قبل النظام العسكري الجزائري الحاقد، أن يفتح الباب أمام المستثمرين من إسرائيل وغيرها من بلدان العالم، لتنمية الاستثمار وجذب الرساميل إلى المغرب وخاصة أقاليمه الجنوبية.
لذلك لم تتأخر عديد الفعاليات السياسية المغربية في التعبير عن ابتهاجها وتأييد القرار الإسرائيلي، الذي طالما شكك الكثيرون في إمكانية اتخاذه، علما أنه ليس هناك أي مبرر يدفع بإسرائيل إلى عدم الاعتراف بمغربية الصحراء، في ظل تعدد اتفاقيات الشراكة والتعاون بين المغرب وإسرائيل التي يحرص الجانبان على تنفيذها تدريجيا وحسب كل مرحلة. ثم إنه لا يمكن تجاهل أن الصحراء هي قضية المغرب الأولى أو كما قال العاهل المغربي بأنها “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، وعلى هذا الأساس تبنى شراكات المملكة المغربية الشريفة مع الدول، لأنها على اقتناع تام بشرعية موقفها المتعلق بمبادرة الحكم الذاتي.
فما هي يا ترى أهمية هذا الاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على أراضيه في الصحراء الغربية، وما يمكن أن يقدمه من إضافة سياسية واقتصادية لملف الصحراء المغربية، الذي يشهد دعما دوليا واسعا ومتواصلا؟ يجمع الكثير من الخبراء والمهتمين بالشأن السياسي في المغرب وخارجه على أن هذا الاعتراف يؤكد القناعة المتنامية على الساحة الدولية بعدالة قضية المغرب الأولى، ويعد قرارا منطقيا والسبيل الأكثر فعالية في تقوية الشراكة بين الدولتين، كما أنه يشكل إيذانا بحقبة جديدة من العلاقات بينهما، وسيفيد ليس فقط الطرفين معا، وخاصة أمام إيمان المسؤولين الإسرائيليين بقوة المقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي، بل إنه سيسهم كذلك في حل النزاع القائم وإرساء السلام بالمنطقة.
إننا إذ نثمن عاليا قرار دولة إسرائيل القاضي بالاعتراف رسميا بسيادة المغرب على صحرائه، الذي أزال الكثير من الغموض عن موقف تل أبيب من ملف الصحراء المغربية، وأزاح تلك الغيمة السوداء من الشكوك التي ظلت تخيم على الرأي العام المغربي وغيره، فإننا نؤكد للجميع بأن المغرب بقيادة عاهله المفدى محمد السادس رئيس لجنة القدس، سيواصل دعمه اللامشروط للقضية الفلسطينية، التي يضعها في مرتبة قضيته الوطنية الأولى ويجعلها من ثوابت سياسته الخارجية.