اسماعيل الحلوتي
كثيرة هي أحلام النظام العسكري الجزائري التي ما انفكت تتبخر تباعا في ظل أزمة الشرعية السياسية والاستياء الشعبي من السياسات الفاشلة، سواء منها تلك المتعلقة بحشد الدعم لجمهورية الوهم ومحاولة إضعاف المغرب وعزله أو غيرها من الأحلام التي تحولت إلى كوابيس تقض مضاجع “الكابرانات”. وكان آخرها هو حلم الانضمام إلى مجموعة “بريكس” العالمية التي تضم كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، الذي تبخر هو الآخر في قلب مدينة جوهانسبيرغ بجنوب إفريقيا الحليف الكبير للجزائر، هناك حيث انعقدت القمة الخامسة عشرة لمنظمة “بريكس” خلال يومي 22/23 غشت 2023 من أجل البحث عن توسيعها، لتشمل مزيدا من الدول.
ذلك أنه وبعد عدة مشاورات أجريت يوم الأربعاء 23 غشت 2023 بين الدول الأعضاء المشكلة لهذا التكتل الاستراتيجي، تم رفض طلب الجزائر بالانضمام إلى المجموعة، إذ أنه وفي تزامن مع الذكرى الثانية لقطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب تحت ذرائع واهية واتهامات باطلة، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بصفته رئيسا لمنظمة “بريكس” عن قرار قبول هذه الأخيرة طلبات ست دول وتوجيه دعوات إليها للانضمام بشكل رسمي إلى المنظمة ابتداء من فاتح يناير 2024 المقبل، من ضمنها ثلاث دول عربية وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، بالإضافة إلى كل من إيران والأرجنتين وإثيوبيا.
وهو الرفض الذي شكل انتكاسة سياسية جديدة في الجزائر، رغم علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية القوية التي تربطها ببعض الدول الأعضاء في التكتل الاستراتيجي “بريكس”، وخلف استياء عميقا في أوساط المواطنين الجزائريين، وخيبة أمل كبرى لأبواق النظام العسكري المأجورة التي ظلت متفائلة بنسبة مرتفعة وهي تهلل في الشهور الأخيرة لقرب انضمام الجزائر للبريكس حسب ما كشف عنه “النظام” من معطيات سياسية واستراتيجية مع جل الدول الأعضاء. كما أن هذا الرفض الصادم أثار موجة من السخرية لدى معارضي الطغمة العسكرية الفاسدة، ومجموعة أخرى من ردود الفعل والتساؤلات حول خلفيات هذه الصدمة القوية التي هزت أركان قصر المرادية. ولاسيما أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون طالما ردد على مسامع محاوريه في أكثر من مناسبة وعلى مدى سنة كاملة، أن “عضوية بلاده في منظمة “بريكس” ليست سوى مسألة وقت، في ظل ما تحظى به من دعم أغلب الدول الأعضاء فيها”.
ويعزو كثير من المراقبين والخبراء الاقتصاديين هذا القرار الذي نزل كالصاعقة على رؤوس “الكابرانات” إلى ضعف النموذج السياسي والاقتصادي للجزائر، خاصة أن اقتصادها ليس اقتصادا تنافسيا، ولا يملك أبسط المقومات التي تمنحه فرصة الانضمام إلى التكتل الدولي “بريكس”، علاوة على عدم جدية “العصابة الحاكمة” وتلاعبها بالأرقام المتعلقة بالصادرات خارج المحروقات، وعدم تكتل الجزائر على المستوى الإقليمي وتمادي النظام العسكري الأخرق في ممارساته العدائية وإضمار السوء لجاره المغرب. وهو الاستبعاد الذي يؤكد مرة أخرى فشل هذا النظام البائس على المستوى الدولي، ويفند ما ظلت تروج له الواجهة المدنية للنظام العسكري من مغالطات حول وجود إجماع لدى الدول الأعضاء في مجموعة بريكس على قبول ملف الجزائر…
فاختيار الدول الست دون الجزائر، التي لم تفلح في إقناع أعضاء مجموعة “بريكس” وانتزاع العضوية فيها، رغم ما قامت به من مساع كبيرة بما فيها إيداع مبلغ 1,5 مليار ونصف مليار دولار في بنك البريكس، وتلك الزيارات المكوكية التي قادت كل من الرئيس عبد المجيد تبون وكبير العسكر السعيد شنقريحة إلى روسيا والصين والبرازيل ولقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جيبينغ، يعطي إشارات قوية وواضحة إلى التفوق الاقتصادي للبلدان المقبولة وقوتها السياسية مقارنة مع الجزائر التي مازالت تتلمس الطريق بحثا لها عن موطئ قدم على المستوى الدولي.
وجدير بالذكر أن الجزائر التي كان رئيسها يبدو خلال الأسابيع الأخيرة مزهوا بنفسه وواثقا من أن بلاده ذاهبة في طريقها إلى الالتحاق بالدول الأعضاء في البريكس، ورافعا بذلك سقف طموحات الشعب الجزائري عاليا، ولاسيما خلال المقابلة الشهيرة له مع قناة الجزيرة، حيث قال بأن سنة 2023 ستتوج بدخول البريكس وأضاف: “لدينا موافقة روسيا والصين وجنوب إفريقيا والرئيس الجديد للبرازيل سيوافق على انضمام الجزائر إلى منظمة بريكس”، لم يلبث وزيرها في المالية لعزيز فايد أن أوضح خلال كلمة له في اليوم الأخير لقمة البريكس بصفته ممثلا للرئيس الجزائري بأن “الجزائر تقدمت بترشيحها لعضوية مجموعة بريكس من منطلق إدراكها أن خيار التحالف والتكتل هو خيار سيادي واستراتيجي وتنموي…”
من هنا وبصرف النظر عما جاء في البيان الختامي لقمة “البريكس” الداعم للحل السياسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وعما خلفته هذه القمة من شعور بالخيبة لدى عديد النخب الجزائرية، وعن الدوافع الكامنة وراء قرار استبعاد الجزائر والمعايير المعتمدة لضم الدول الست المشار إليها أعلاه، فإن السلطات الجزائرية مدعوة إلى مراجعة مواقفها السياسية المتحجرة والقيام بمناقشة هادئة حول الأسباب الحقيقية التي جعلت المنظمة ترفض طلب الانضمام إليها، كما أنها مطالبة بتسريع وتيرة الإصلاحات الكبرى، تسهيل المشاريع التنموية ورفع مؤشراتها في القطاع الصناعي والزراعي من أجل الرفع من معدل النمو والتخلص من رواسب الماضي في معاداة المغرب ومعاكسة وحدته الترابية.