اسماعيل الحلوتي
قد يتفهم غالبية المواطنات والمواطنين المغاربة تلك الهجمة الشرسة، التي تخوضها أبواق الكابرانات ومعها بعض وسائل الإعلام الفرنسية ضد المغرب، دون أدنى احترام لأرواح الشهداء وأوجاع المصابين، ولا أي مراعاة لمشاعر الحزن العميق الذي يعم البلاد والعباد، جراء زلزال الحوز الأعنف في تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن، الذي ضرب عددا من المناطق مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 بقوة 6,9 درجات على مقياس ريختر، مخلفا وراءه خسائر بشرية ومادية فادحة.
حيث أنه بالرغم من أن السلطات المغربية أصدرت بلاغا توضيحيا حول المساعدات الدولية، كشفت من خلاله عن المنهجية التي يعتمدها المغرب في تدبير هذه الأزمة الإنسانية، وأعلنت عن ترحيبها بكل مساعدات الدول الشقيقة والصديقة. وبالرغم من كونها لم تقبل سوى أربعة عروض مما يناسب المرحلة من حوالي سبعين عرضا، تخص كل من قطر والإمارات العربية المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة، فإن أبواق الكابرانات وجزء من الصحافة الفرنسية المأجورة، لم تتقبل رفض مساعدة بلديها معتبرة ذلك إهانة كبرى، لتواصل حملاتها الهوجاء، ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف المتعلقة بالتغطية الإعلامية والأخلاق المهنية، معتمدة في ذلك على إشاعة الأخبار الزائفة والرسوم الكاريكاتورية الساخرة والهادفة إلى محاولة ضرب معنويات المغاربة وخلخلة لحمتهم.
لكن ما لا يمكن استساغته على الإطلاق، هو أنه في الوقت الذي هب فيه المغاربة من كل المدن وجهات المملكة الشريفة على قلب رجل واحد، في حملة تضامنية شعبية واسعة، تجند لها الآلاف من المواطنين صغارا وكبارا نساء ورجالا، فقراء وأغنياء، للتبرع بالدم لفائدة الجرحى والمصابين، وجمع التبرعات العينية من مواد غذائية ومياه الشرب وألبسة وأحذية وأفرشة وأغطية وأدوية وخيام وغيرها كثير، بل لم ينسوا حتى الأغذية الخاصة بالحيوانات الأليفة، وانطلقت فيه قوافل السيارات والشاحنات والحافلات صوب جبال الأطلس، متحدية صعوبة التضاريس ووعورة المسالك، هدفها الأسمى هو إنقاذ الأرواح العالق أصحابها تحت الأنقاض، وإسعاف ضحايا ومنكوبي المناطق المتضررة ومواساتهم.
ظهر في المقابل بعض عديمي الضمير الذين يستهويهم استغلال الأحداث المأساوية وأحزان الناس، وتطاوعهم النفس الأمارة بالسوء في القيام بأفعال يعاقب عليها القانون، من خلال ترويج الأخبار الزائفة التي من شأنها ترويع المواطنين، أو إقدام بعض سائقي الشاحنات على خيانة الأمانة واستيلاء البعض الآخر دون موجب حق وبشتى أساليب التحايل على مساعدات إنسانية في شكل مواد غذائية واستهلاكية وغيرها من الإعانات العينية، المتحصلة عن مبادرات تضامنية شعبية لدعم ضحايا زلزال الحوز المدمر، سواء عبر تحويل وجهتها وعدم إيصالها إلى مستحقيها وتكديسها في محلات معزولة أعدت لهذا الغرض، أو إعادة بيعها لمحلات تجارية وغير ذلك من الممارسات المرفوضة والمنبوذة…
وهو ما أدى إلى ارتفاع أصوات التنديد بهذه التصرفات الدنيئة التي تخدش صورة المغرب المشرقة، عبر بعض التقارير الإعلامية والتدوينات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وجعل السلطات الأمنية تمتثل سريعا لأمر النيابة العامة الداعي إلى التطبيق الصارم والحازم للقانون، وذلك من خلال القيام بحملة تمشيطية واسعة، قصد التصدي لكل مشتبه به في اعتراض سبيل قوافل المساعدات الإنسانية الموجهة إلى ضحايا الزلزال المدمر، وسرقتها بالعنف أو بواسطة أساليب احتيالية. وهي الحملة التي أسفرت في بداية الأمر على توقيف عدد من الأشخاص المتورطين في بعض المدن مثل سطات وتماره وسلا وفاس وغيرها. إذ نسي هؤلاء الأوغاد أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يقول “لا تنزع الرحمة إلا من شقي” فكيف تسمح لهم ضمائرهم بارتكاب مثل هذه الأفعال الإجرامية المشينة في ظل هذه الفاجعة المؤلمة؟
ويؤكد في هذا الصدد بعض الخبراء في القانون الجنائي على أن السرقات المحتمل حدوثها في ظروف استثنائية كما هو الحال بالنسبة لزلزال الحوز، تجعل من فعل السرقة يرتقي من جنحة إلى جناية، استنادا إلى الفصل 510 من القانون الجنائي الذي جاء في فقرته السادسة أنه “يعاقب على السرقة بالسجن من 5 إلى 10 سنوات إذا اقترنت بواحد من الظروف التالية: ارتكابها في أوقات الحريق أو الانفجار أو الانهدام أو الفيضان، أو أي كارثة أخرى” وهو مقتضى قانوني يجعل من مرتكب فعل السرقة خلال كارثة من الكوارث أمام جناية السرقة الموصوفة، وتتم متابعته ومحاكمته أمام غرفة الجنايات، وبالتالي سيكون الحكم عليه مشددا بخلاف إذا ما توبع وحوكم من أجل جنحة السرقة أمام القسم الجنحي بالمحكمة الابتدائية، حيث ستكون العقوبة أخف من ذلك.
إننا إذ نعتز بمغربيتنا ونشد بحرارة على أيدي فقراء هذا الوطن العزيز وأثريائه ومشاهيره، الذين ساهموا في الحملة التضامنية الواسعة بدمائهم وأموالهم، كثيرها وقليلها على حد سواء، من أجل غوث ضحايا ومنكوبي زلزال الحوز الرهيب، فإننا في ذات الوقت ندين بقوة منعدمي الضمير، الذين هبوا في الاتجاه المعاكس نحو النهب والسطو على تلك المساعدات الإنسانية، غير عابئين بمظاهر الحزن والحرقة التي تخيم على الجميع. ونطالب بضرورة ترتيب الإجراءات القانونية اللازمة في حق كل من ثبت تورطه من قريب أو بعيد في المس بهذه المبادرات التضامنية والأعمال النبيلة، حتى يكون عبرة لغيره.