اسماعيل الحلوتي
بعد مرور أسبوعين بالتمام والكمال على الحادث المأساوي الأليم الذي تعرضت له بلادنا، على إثر الزلزال الأعنف في تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن، الذي ضرب بقوة 6,9 درجات على سلم ريشتر مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 عدة مناطق في جبال الأطلس الكبير، وخلف أضرارا بليغة في الأرواح والمباني وغيرها. ارتأت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية أن تنفض عنها غبار سباتها العميق، وتعقد اجتماعا برئاسة الأمين العام للحزب عبد الإله ابن كيران يوم السبت 23 شتنبر 2023 وتصدر بلاغا للرأي العام يوم الأحد 24 شتنبر 2023.
ترى ما الذي جاء لنا به بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، وما الذي أراد قوله أمينه العام ورئيس الحكومة الأسبق بعد أن بدأت الحياة تدب تدريجيا في أوصال المناطق المنكوبة، واستأنف تلامذتها دراستهم ابتداء من يوم الإثنين 18 شتنبر 2023، بفضل الحملة التضامنية الشعبية الواسعة والتعليمات الملكية السامية؟ إن صاحب المعاش الاستثنائي البالغة قيمته سبعون ألف درهم شهريا من أموال دافعي الضرائب، تنطبق عليه مقولة “سكت دهرا ونطق كفرا”، حيث أنه وبعد التنويه بالموقف المشرف لملك البلاد محمد السادس، فيما يخص التدبير الجيد لملف المساعدات الأجنبية، والمبني أساسا على صون السيادة الوطنية والتصرف بعزة وكرامة وما تلا ذلك من إجراءات ناجعة، وكذا بالتدخل الناجح لمختلف السلطات المدنية والعسكرية والهبة الشعبية، والتضامن الوطني الذي عبر عنه المغاربة قاطبة بمختلف فئاتهم وأعمارهم، لإنقاذ وإسعاف ضحايا ومنكوبي الأقاليم المتضررة.
أبى فقيه زمانه إلا أن يعود من جديد إلى خطابه الشعبوي البائد، من خلال ربط زلزال الحوز بالذنوب والمعاصي ليس فقط بخصوص المخالفات الفردية، وإنما في الحياة السياسية والانتخابات والتدبير العمومي، في محاولة مكشوفة لتصفية حساباته الضيقة مع الحكومة وخاصة رئيسها عزيز أخنوش والمجالس المنتخبة، دون أدنى مراعاة لمشاعر الضحايا والمنكوبين، حيث يقول في بلاغه الاستفزازي والمثير للاستغراب “يجب أن نرجع إلى الله، لأن كل شيء يصيب الإنسان فيه إنذار، والصواب هو أن نراجع كأمة ونتبين هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي، ولكن بمعناها العام والسياسي…”
وكأننا به يريد أن يبلغنا أن ما حدث من هزة أرضية عنيفة، ليست سوى غضبا من الله وعقابا لنا على عدم منح أصواتنا لحزبه في استحقاقات 8 شتنبر 2021، مما أثار ردود فعل غاضبة وانتقادات حادة حتى من داخل الحزب نفسه، حيث أنه بمجرد صدور البلاغ حتى سارع كل من القياديين البارزين عبد القادر اعمارة الوزير السابق إلى تقديم استقالته من الحزب وكل هيئاته، متحسرا على ما آل إليه وضع الحزب من تراجع، فيما اعتبر عبد العزيز أفتاتي أن البلاغ “خطأ جسيم ما كان ينبغي للأمانة العامة أن تساير قائدها عبد الإله ابن كيران فيه”، فضلا عن استنكار بعض الفعاليات الثقافية والإعلامية والسياسية هذه الخرجة غير المحسوبة العواقب، كما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة، ومنها كذلك ما اعتبرته بلاغا شاردا يرمي إلى إعادة إحياء السلوك الانتهازي عبر الخطاب الديني.
إنه بتضمين بلاغ الأمانة العامة لحزبه تلك الفقرات القاسية التي تعتبر فاجعة الحوز غضبا ربانيا، يكون عبد الإله ابن كيران الحالم بالعودة إلى رئاسة الحكومة قد جر على نفسه من جديد انتقادات لاذعة، ووضع حزبه أو ما تبقى منه على حافة الانهيار التام، حيث بدا واضحا أنه لا يكاد يختلف كثيرا عن عامة الناس ممن يرون في الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وحرائق الغابات وغيرها، انتقاما من الخالق الرحمان على فساد الأخلاق والابتعاد عن تعاليم الدين الحنيف، أو إنذارا إلهيا عسى أن يتراجع المرء عن ذنوبه وارتكابه للمعاصي الكبرى من فسق وفجور وشرب الخمور، أو لعله أرادا التظاهر بذلك من أجل تكريس الخرافة في عقول البسطاء.
فكيف للمولى سبحانه أن ينتقم من ساكنة مناطق ظلت لعقود تعاني من التهميش والإقصاء، وهو اللطيف بعباده؟ ألم يكن حريا برئيس الحكومة الأسبق أن يوجه الاتهام إلى شخصه وحزبه الذي تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام لعقد من الزمان، دون أن يستطيع فك العزلة عن تلك القرى النائية وجعل تنميتها ضمن أولوياته، علما أن أحد قياديي حزبه هو من ظل يحمل حقيبة وزارة التجهيز لولايتين متتاليتين؟ بل إنه على العكس من ذلك، فإن زلزال الحوز فضح فشل حزبه في تلبية انتظارات المواطنات والمواطنين، ولم يحسن عدا الإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية والتطبيع مع الفساد، وإلى جانب ذلك يعد الزلزال منحة من الله، تجسدت في تسليط الضوء على تلك المناطق المنسية فضلا عن تفجر المياه العذبة بأعالي الجبال وتدفقها على وديان ظلت تشكو الجفاف لعدة أعوام.
إن ابن كيران الذي يعتبر في بلاغه أن من واجبه التذكير بضرورة الاعتبار مما حدث في منطقة الحوز، والتنبيه إلى أن من معاني الرجوع إلى الله ما يفيد أننا بالفعل مبتعدون عنه جل جلاله، هو أولى بالرجوع إلى الله وكان عليه بدل إعطاء الموعظة لغيره أن يعطي المثل بنفسه ويعيد تلك الأموال التي يتحصل عليها شهريا (70 ألف درهم) بدون موجب حق إلى الخزينة العامة حتى تستفيد منها الفئات الفقيرة.