اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي مازال فيه المغاربة منتشين ببشرى فوز بلادهم مع إسبانيا والبرتغال باحتضان فعاليات كأس العالم 2030 في كرة القدم، فإذا بحجم الفرحة التي تغمرهم يتضاعف على إثر ما جاء على لسان عزيز أخنوش رئيس الحكومة أمام البرلمان بغرفتيه يوم الإثنين 25 أكتوبر 2023 من تصريح، حول اعتزام حكومته الإقدام على تفعيل البرنامج الملكي الخاص بالدعم الاجتماعي المباشر للأسر التي توجد في وضعية فقر أو هشاشة، وذلك ابتداء من 30 دجنبر 2023.
ويشار إلى أن الملك محمد السادس أعلن يوم الجمعة 13 أكتوبر 2023 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، عن البدء في تفعيل برنامج الدعم المالي الاجتماعي المباشر خلال نهاية العام الحالي، وأضاف أنه “تجسيدا لقيم التضامن الاجتماعي الراسخة عند المغاربة، فإن هذا البرنامج سيشمل إضافة إلى التعويضات العائلية، بعض الفئات الاجتماعية التي تحتاج إلى المساعدة”. وزاد موضحا بأنه “دعم يتعلق بالأطفال في سن الدراسة، أو في وضعية إعاقة، والأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة، خاصة تلك التي تعيل أفرادا مسنين. وفي ذات السياق اعتبر جلالته أن المجتمع يكون “أكثر إنتاجا وأكثر مبادرة، عندما يكون أكثر تضامنا وأكثر تحصينا أمام الطوارئ والتقلبات الظرفية” مؤكدا على أن البرنامج سيساهم في رفع المستوى المعيشي للعائلات المستهدفة، ومحاربة الفقر والهشاشة، وتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية.
ففي معرض كلمته أمام البرلمان قال أخنوش بأن “المملكة أمام فرصة تاريخية، يدشن بها صاحب الجلالة ثورة اجتماعية حقيقية، ستشكل جيلا جديدا من التعاقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، ونواة صلبة لمغرب الغد، من شأنها تعزيز الإحساس بالانتماء للوطن، ورفع منسوب الثقة في المؤسسات، وفي القدرة على النجاح الجماعي”. وأكد أن تنزيل هذا الورش الكبير، سيتطلب ميزانية قدرها 25 مليار درهم في عام 2024، لتصل إلى 29 مليار درهم سنويا ابتداء من 2026، وأن هذه الميزانية ستنضاف لعشرة ملايير درهم التي تخصصها الدولة سنويا لتعميم التغطية الصحية الإجبارية على الأسر الفقيرة والهشة.
وأوضح بأن عرض الدعم الاجتماعي المباشر يضم ثلاثة إجراءات أساسية، تهم الدعم الاجتماعي المباشر للأسر المستهدفة التي لها أبناء، والدعم الاجتماعي المباشر للأسر المستهدفة التي ليس لها أطفال أو يتجاوز سنهم 21 سنة، خاصة الأسر التي تعيل أشخاصا مسنين، ثم منحة الولادة. ويتعلق الإجراء الأول بمنحة شهرية عن كل طفل دون 21 سنة، إذ يعطى لكل طفل منذ ولادته إلى حين بلوغه 5 سنوات، دعما ماليا قدره 200 درهم شهريا ابتداء من 30 دجنبر 2023 ويستمر طيلة سنة 2024، ثم 250 درهم شهريا سنة 2025، ويرفع إلى 300 درهم شهريا ابتداء من سنة 2026، على أن تقلص قيمة الدعم عند انقطاع الطفل عن الدراسة.
فيما يهم الإجراء الثاني استفادة الأسر المستهدفة التي ليس لها أطفال أو يتجاوز عمرهم 21 سنة، خاصة تلك التي تعيل أشخاصا مسنين، من منحة جزافية تبلغ قيمتها 500 درهم شهريا، وقد تصل حسب بعض الحالات إلى أزيد من 1000 درهم. وبالنسبة للإجراء الثالث الخاص بالولادة، فتمنح كل أسرة دعما ماليا بقيمة 2000 درهم بمناسبة الولادة الأولى و1000 درهم عن الولادة الثانية، وما إلى ذلك من تفاصيل يضيق المجال لذكرها كلها.
فكان من البديهي أن يثير الإعلان عن هذا البرنامج الواعد والطموح موجة عارمة من الفرح خاصة لدى الأسر الفقيرة والهشة المتوفرة على شروط الأهلية والأحقية المحددة من قبل برامج الدعم الاجتماعي، وأن يثير في ذات الوقت هواجس وتخوفات من أن يطال عملية توزيع الدعم تلاعبات، كما أثبتت ذلك التجارب السابقة، مما يقتضي مراقبة صارمة وحرصا شديدا على أن يصل الدعم لمستحقيه من الأسر المستهدفة بكل نزاهة وشفافية.
بيد أنه في المقابل هناك من يرى بأن هذا الدعم يظل غير كاف في تحسين ظروف عيش المواطنين، ويمكن أن نسحب عليه المثل الصيني القائل: “لا تعطيني سمكة، ولكن علمني كيف أصطادها”، لأن المواطن ليس بحاجة إلى أن تعطيه الدولة سمكة ليعيش بكرامة، بل يحتاج إلى أن تزوده بالوسائل الضرورية وتعلمه كيف يصطادها، حتى يمكنه الإقبال على الحياة بهمة ونشاط، معتمدا في ذلك على جهوده الشخصية، مما قد يساهم في تنمية الذات والمجتمع.
فالمثل الصيني أعلاه ذو قيمة بليغة في التعلم والرغبة في العمل وعدم الاتكال على الغير، الشيء الذي شكل دافعا أساسيا للصينيين في الخلق والإبداع بحرية وتطوير إمكانياتهم الفردية والجماعية، في الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها. وهو ما قاد الصين إلى تحقيق ما هي عليه اليوم في وقت قياسي، لأنها أدركت مبكرا أن ليس المهم هو الحصول على سمكة، وإنما الأهم من ذلك هو كيف الوصول إليها…
إن المغاربة ليسوا بحاجة إلى دعم اجتماعي مباشر وحسب، بل هم أحوج ما يكونون إلى توزيع عادل للثروة الوطنية، وخلق فرص شغل مناسبة تضمن لهم العيش الكريم، الرفع من الأجور ومكافحة الفساد والريع، حيث لم يعد مقبولا هذا التفاوت الصارخ في الثروة، ولاسيما أن 10 في المائة فقط من السكان يمتلكون أكثر من 63 في المائة من إجمالي الثروة، حتى أن المغرب بات يتميز بطبقة وسطى فقيرة نسبيا، وفق لاما جاء في تقرير “اللامساواة العالمية لعام 2022”.