اسماعيل الحلوتي
يكاد يجمع عديد المراقبين والمهتمين بالشأن العام في بلادنا، على أن المغاربة بلغوا في السنتين الأخيرتين إلى مستوى غير مسبوق من الإحباط، وخيبة أمل كبيرة في حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب “الأحرار”، الذي تفوق على رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران في بالإخلال بالوعود والتحلل من التعهدات والالتزامات.
وإلا، فأين نحن من شعار “تستاهل أحسن” والتأكيد على أن المغاربة يستحقون الأفضل في حملته الانتخابية؟ إذ قال حينها أخنوش بأن برنامج حزبه نتاج خمس سنوات من الإنصات للمواطنين عبر جولات ولقاءات ميدانية في ربوع المملكة، مشددا على أن المغاربة يستحقون الأفضل لقيادة المرحلة المقبلة. أي هذه التي نحن فيها اليوم، والتي تعد الأسوأ في تاريخ الحكومات المتعاقبة.
إذ إنه بصرف النظر عن تصاعد موجة التذمر والاستياء، التي أدت إلى تلك الحملة الرقمية الواسعة، للتنديد بمسلسل الارتفاع الصاروخي في أسعار المحروقات وما ترتب عنها من ارتفاع في أسعار باقي المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، والمطالبة برحيل رئيس الحكومة أخنوش الذي بدا عاجزا عن قيادة المرحلة والتصدي للغلاء الفاحش، الذي اكتوت بنيرانه جيوب المواطنين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وبصرف النظر أيضا عما خلفه تحديد سن مباراة التعليم لتوظيف الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (أطر التدريس وأطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي) في 30 سنة، من احتجاجات صاخبة من لدن عشرات الآلاف من المجازين وحاملي الشهادات العليا، الذين كانوا يعلقون آمالا كبيرة على هذه المباراة أمام قلة فرص الشغل. حيث انطلقت أولى هذه الاحتجاجات ضد القرار الحكومي الجائر، التي نظمتها تنسيقيات وطنية لطلبة وخريجي المدارس العليا للأساتذة وكلية علوم التربية والمجازين في التربية المقصيين، من أمام مقر وزارة التربية الوطنية يوم الثلاثاء 8 نونبر 2022 ورفعت خلالها لافتات وشعارات منددة ورافضة للسياسة الإقصائية لكفاءات وطلبة قضوا سنوات من عمرهم في التكوين…
وبعيدا عما أثارته مباراة ولوج مهنة المحاماة من ضجة عارمة، بعد أن تحولت نتائجها غير النزيهة إلى قضية رأي عام وطني، وتعالت الأصوات المنادية بفتح تحقيق عاجل حول ما شابها من “تزوير وتلاعب” ذهب ضحيته مرشحون من أبناء الفقراء، فيما نجح آخرون من أقارب مسؤولين سياسيين وقضائيين ونقباء بهيئات المحامين، بمن فيهم ابن وزير العدل المثير للجدل عبد اللطيف وهبي، الذي أثار حفيظة المواطنين بسبب استعلائه وتصريحاته المستفزة، حيث رفعت شعارات منتقدة له ومستنكرة لما اعتبره المتظاهرون “إقصاء طبقيا واجتماعيا وماديا، أجهض آمالهم وأحلامهم في ممارسة مهنة المحاماة” وانتشر على منصات التواصل الاجتماعي وسم “مباراة المحاباة”، انتقد بواسطته نشطاء سعي بعض المسؤولين إلى محاولة “احتكار وتوريث” مهنة المحاماة لأبناء العائلات النافذة…
فإن ما يحز في النفس كذلك هو أن تقدم آلاف الأسر المغربية بعد حوالي شهرين ونصف من انطلاق الموسم الدراسي الجديد 2023/2024 على نقل أبنائها من المدرسة العمومية إلى مدارس التعليم الخصوصي، رغم ما قد يكلفها مثل هذا الانتقال الاضطراري من مصاريف إضافية فوق طاقتها، وذلك بسبب فشل التحالف الحكومي الثلاثي في احتواء ما باتت تعرفه الساحة التعليمية خلال هذه السنة من احتقان غير مسبوق، أدى إلى خروج عشرات الآلاف من الأساتذة للتظاهر عبر وقفات ومسيرات احتجاجية وإضرابات محلية ووطنية متواصلة منذ بداية شهر أكتوبر 2023، رافضين النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، المصادق عليه في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 27 شتنبر 2023، باعتباره نظاما تعسفيا وتراجعيا وإقصائيا، حتى أنهم أطلقوا عليه اسم “نظام المآسي” لكونه يهدف إلى تقييد حرياتهم والحط من كرامتهم ولا يرقى إلى مستوى انتظاراتهم، رغم الميزانية الضخمة التي رصدت له من أموال دافعي الضرائب.
والأسوأ من ذلك أن هناك عائلات سبق لها أن اضطرتها الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي جائحة “كوفيد-19” إلى نقل أبنائها من مؤسسات التعليم الخاص إلى المدارس العمومية، وجدت نفسها مرة أخرى مجبرة على إعادتهم للتعليم الخصوصي، جراء ما أصبحت تعرفه مؤسسات التعليم العمومي من هدر لزمن التعلمات، على إثر تعنت الحكومة في شخص وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى ومحاولة فرض نظام أساسي على الأساتذة، علما أنه لا يستجيب لتطلعاتهم ويمس بكرامتهم.
فما يقلق آلاف الأسر التي خرجت هي الأخرى للاحتجاج ضد ضياع هذا الكم الوافر من الحصص الدراسية بين زحمة الاحتجاجات والإضرابات، هو أن استمرار معركة “كسر العظم” بين الوزارة الوصية والشغيلة التعليمية بمختلف فئاتها وهيئاتها لأسابيع أخرى، سيؤثر لا محالة على مستقبل بناتها وأبنائها في المدارس العمومية، وخاصة منهم أولئك الذين يعانون من التعثر الدراسي وضعف التحصيل، والذين سيخضعون عند نهاية السنة إن لم تكن “سنة بيضاء” لامتحانات إشهادية.
إن المغرب الذي بفضل جهود قائده الملهم الملك محمد السادس، قطع أشواطا كبيرة قصد ترسيخ ركائز مجتمع ديمقراطي، متماسك ومتضامن، قائم على المشاركة المواطنة والتعددية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار مسار تراكمي، مازال للأسف يشكو من أزمة خانقة على مستوى مدبري الشأن العام، لعدم إسناد المسؤوليات لمن هم أهل لها من ذوي الكفاءة والحس الوطني الصادق وروح المسؤولية، القادرين على رفع التحديات والسير بالبلاد نحو النماء وتحقيق ما تتطلع إليه الجماهير الشعبية من آمال وإصلاحات كبرى والحد من معدلات الفقر والبطالة والقضاء على الفساد بمختلف أشكاله..