محمد إنفي
لم أجد لا أنسب ولا أبلغ من عبارة “طرطق مرارة الأعداء” الكفيلة بعكس المفعول القوي على نفسية وسيكولوجية أعداء المغرب، والذي أحدثه الاستقبال الخرافي الذي خصصته دولة الإمارات العربية المتحدة للعاهل المغربي خلال زيارته الأخيرة لهذه الدولة الشقيقة. لقد طرطقت هذه الزيارة الرسمية، سواء بفخامة وضخامة جانبها البروتوكولي أو بنتائجها المبهرة، مرارة الأعداء الداخليين والخارجيين وأحرقت دمهم، حقيقة ومجازا؛ وكيف لا وقد تابعوا، من جهة، ذلك الاستقبال التاريخي الذي خصصه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة للملك محمد السادس؛ ومن جهة أخرى، رأوا بأم أعينهم ما أثمرته تلك الزيارة من اتفاقيات وصفقات؛ حيث تكللت بتوقيع اثني عشر اتفاقية هامة تتعلق بالأساس بالبنيات التحتية (الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والطرق السيارة والمنشآت الرياضية وغيرها) وبالاستثمار في القطاعات الواعدة (الطاقات المتجددة، أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب وصولا إلى أوروبا). وعين الحسود فيها عود.
داخل الوطن، هناك مغاربة لا يرضيهم ما تحققه بلادهم من نجاحات على مستويات متعددة. وهذا لا يعني أن تلك النجاحات لا تقنعهم؛ بل هي تغيظهم، ولكل دوافعه وأهدافه المعلنة أو غير المعلنة. هناك من يريد ألا يرى في المغرب غير مظاهر البؤس والتخلف إما إرضاء لنفسية مريضة (الذين في قلوبهم مرض يريدون أن يشمتوا في بلادهم) وإما لحسابات سياسية ضيقة تروم تصفية الحساب مع الدولة؛ وهذا هو ديدن الحركات السياسية المرتبطة بالخارج، سواء المتطرفة منها أو التي تمارس نوعا من التقية فتظهر الاعتدال نفاقا. وقد يلبس بعض هذه الحركات جبة حقوق الإنسان والدفاع عن حرية التعبير وعن الديمقراطية والحرية الفردية والجماعية وغير ذلك من القيم الإنسانية. لكنك لن تجدهم أبدا يتحدثون عن بلادهم بالخير، أو على الأقل بموضوعية.
ذلك أنهم، في العمق، يعادون دولتهم، فيعملون على تبخيس ما تحققه، مثلا، في الديبلوماسية بكل أبعادها وصيغها: الديبلوماسية الرسمية، الديبلوماسية الموازية، الديبلوماسية الأمنية، الديبلوماسية الروحية، الديبلوماسية الرياضية، الديبلوماسية الاقتصادية وغيرها؛ مما جعل بلادنا تحتل مكانة مرموقة في محيطها الإقليمي والجهوي والدولي. وهذا ما يزيد من حَنقِهم، فيحاولون تشويه صورة بلادهم بترويج أكاذيب تتعلق بعدم احترام حقوق الإنسان وينشرون الإشاعات التي يطلقها أعداء المغرب في الخارج.
أما بالنسبة لأعداء الخارج، فنعتقد يقينا بأن المغرب يعرف جيدا من هم أصدقاؤه ومن هم أعداؤه. وتأتي الجزائر على رأس هؤلاء. فهي تعاكسنا في وحدتنا الترابية والوطنية منذ قرابة خمسين سنة. ولم تجن من هذا العداء سوى الفشل والخسران المبين. لذلك، لا نستغرب ردود فعلها الصبيانية حول الزيارة الملكية إلى الإمارات. وقد أكدت ردود الفعل هذه ما جاء في العنوان. فالزيارة المذكورة قد أحرقت بالفعل دم النظام العسكري الجزائري وطرطقت مرَّاراته.
وهجوم الإعلام الجزائري (إعلام الصرف الصحي) الرسمي وغير الرسمي على الإمارات، يدل على السعار الذي أصاب بلد “الشهداء” بفعل الاستقبال الرائع الذي خصصته لجلالة الملك محمد السادس وبفعل النتائج المبهرة التي حققتها هاته الزيارة. لقد جن جنون النظام العسكري، فجند أبواقه للتهجم على الإمارات الشقيقة بوقاحة وسفالة فاقت كل الحدود.
وكل هذا يؤكد ما قلناه في مقالات سابقة عن العداء للمغرب الذي أصبح عقيدة وعقدة لدى النظام العسكري البوخروبي؛ كما يؤكد ما كتبناه عن غباء هذا النظام المتحكم في رقاب الشعب الجزائري المغلوب على أمره، المسلوب الإرادة، المهدد بالمجاعة، المحكوم عليه بقضاء ساعات طوال في الطوابير لعله يضفر بما يسد به رمقه من أجل البقاء على قيد الحياة.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبقة السياسية في الجزائر قد تشربت الغباء من نظامها، فأصبح من الصعب التمييز بين من ينتمون إلى المؤسسات الرسمية وبين من ينتسبون إلى النخب السياسية، إن جاز استعمال هذا التعبير في حقهم. ولو لم يكن الغباء مستشريا في النظام الجزائري وفي نخبه السياسية، لما وصلت البلاد إلى ما هي عليه من إفلاس في كل المجالات. وأتحدى نخب هذا النظام والمحسوبين على الطبقة السياسية أن يثبتوا عكس ذلك.
ولا شك أن الإخوة الإماراتيين قد أدركوا هذه الحقيقة من خلال “الَّيْفات” التي يفتحونها في وسائط التواصل الاجتماعي ويستقبلون فيها المغاربة والجزائريين. فالجزائريون والجزائريات الذين يستقبلهم الإماراتيون في “ليفاتهم”، يتحولون بسرعة إلى مادة دسمة للتسلية والضحك بسبب مستوى خطابهم المتدني في المعنى والمبنى. فأغلبهم لا يتقنون سوى السب والشتم، وأذكاهم يحتمي بالهروب.
ولا غرابة في ذلك، فرئيسهم، عمي تبون أو أبو كُذَيْبَة (كما يسميه “اليوتوبورز” المغربي حاتم المرابط)، اعترف بعظْمة لسانه بأن تسعين في المائة من الجزائريين لا يعرفون القراءة والكتابة. والعشرة في المائة التي تعتبر متعلمة ومثقفة تقدم للعالم صورة بئيسة عن التعليم والثقافة في الجزائر. ويكفي أن تقرأ أو تستمع إلى نخب النظام، بمن فيهم أساتذة الجامعة والإعلاميين، لتدرك أن العقل معطل في الجزائر حتى إشعار آخر.
خلاصة القول، الجزائر لم تعد تتهجم على المغرب فقط؛ بل تفعل ذلك أيضا في حق أصدقائه، وعلى رأسهم الإمارات العربية المتحدة. ويمكن تفسير ذلك بالإحباط التام والعجز المزمن الذي تعيشه حاليا. لذلك، فهي مستعدة للقيام بكل المهام القذرة التي تكلفها بها فرنسا. وبما أن هذه الأخيرة ترى في الإمارات سندا قويا للمغرب في مشروع شمال غرب إفريقيا الأطلسي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، فقد لجأت إلى إقليمها الإفريقي للقيام بالتشويش عليه؛ وذلك بالتهجم على الإمارات والنيل من سمعتها لعلها تتخلى عن دعم هذا المشروع الإستراتيجي الذي يعني النهاية الحتمية لوجد فرنسا في إفريقيا.