محمد إنفي
للمقرف، عفوا للمقرئ أبو زيد الإدريسي، سقطات متعددة؛ لكن سقطته الأخيرة التي موضوعها خالد مشعل، قد َطبَّقَتْ شهرتها الآفاق بفعل دويِّها القوي وصداها الواسع. لهذا، فهي تستحق أن تحظى بالاهتمام.
ويحسن بنا، قبل الحديث عن هذه السقطة، أن نقحم سباط خالد مشعل في الموضوع، ما دام الأمر يتعلق بثلاثة عناصر يربط بينها حذاء مشعل؛ وهذه العناصر هي التمني والتراب والمشي فوقه. وما يبرر هذا الإقحام، ليس تمني أبي زيد فقط؛ بل وجود مغاربة مغرمون بخالد مشعل إلى حد التقديس. فحتى سباطه أعطوه قيمة تفوق قيمة الإنسان، وجعلوا منه سلاحا يرفعونه في وجه كل من يتجرأ على انتقاد خالد مشعل. وقد حرصوا على الانتشار في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التصدي لمنتقديه بعد أن سمح لنفسه بمخاطبة الشعب المغربي وتحريضه على الانتفاضة ضد نظام بلاده. وهكذا، أصبحت عبارة “إنك لا تساوي حتى سباط خالد مشعل” ترفع في وجه كل من ينتقد هذا الأخير أو لا يستحسن خطابه المباشر للشعب المغربي، والذي لم يراع فيه لا الأعراف والتقاليد ولا التداعيات الديبلوماسية التي يمكن أن تكون لمثل هذا السلوك المرفوض.
وما كان لمشعل أن يتجرأ على مخاطبة الشعب المغربي، على طريقة المراهق إيمانويل ماكرون، لو لم يتلق الضوء الأخضر من محتضنيه ومضيفيه، إما بطريقة مباشرة أو من خلال الإيحاء. ويبدو أن الظرف كان مناسبا لمثل هذه الانزلاقات، خصوصا في حضرة ذارفي دموع التماسيح.
ولعل الظرف المشار إليه، هو الذي جعل المقرئ أبا زيد يفقد السيطرة على تلك النزعة الإخوانية التي تحرك الإسلام السياسي الذي أعطى الدليل تلو الدليل على ارتباطاته الخارجية التي يؤطرها حلم إحياء الخلافة الإسلامية من خلال رئاسة عامة للمسلمين جميعاً رغم تعدد أوطانهم ودولهم وتوجهاتهم. ولذلك، تجد الإسلاميين (أو المتأسلمين) ضعيفي الارتباط بالوطن.
وكمثال على هذا الأمر، لا أظن أن أبا زيد الإدريسي قد تحدث يوما بالإيجاب عن منجزات بلاده؛ وحتى نحصر الموضوع في قضية فلسطين، ففي الوقت الذي يشيد فيه العالم العربي والإسلامي بما تقوم به لجنة القدس برئاسة الملك محمد السادس من أجل القدس وفلسطين، سمعنا أبا زيد الإدريسي يدعي أن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي صمدت في الدفاع عن فلسطين ومساعدة أهلها، بينما الحقيقة المعلومة هي أن الجزائر تقدم الشعارات لفلسطين والغاز لإسرائيل؛ ناهيك عن كون الشعب الجزائري ممنوع من التظاهر نصرة للقضية الفلسطينية. وكأني بأبي زيد قد أصبح، هنا، بوقا من أبواق النظام الجزائري لترديد الأكاذيب والمغالطات.
والسقطة المدوية للمقرف أبو زيد الإدريسي، تتمثل في أمنيته التي لا أعتقد أن أحدا قد سبقه إليها، على الأقل في مذهب السنة. لقد تمنى أن يكون ترابا فيمشي عليه خالد مشعل وإسماعيل هنية وغيرهما من قادة حماس. وقد صاحبت هذه الأمنية الغريبة، دموع التماسيح التي يتقنها تجار الدين حين يرغبون في دغدغة العواطف واستعباط المتلقي.
وبما أن أمنية أبي زيد من الأمنيات غير القابلة للتحقق، فإننا نلتمس من قادة حماس أن يحققوا لصاحبهم شيئا منها؛ وذلك بالتناوب على وطئ “قرفادته” (رقبته) لعل حرقته تخِف. ونرجو منهم أن يلبسوا جميعهم نفس ماركة حذاء خالد مشعل إرضاء لأبي زيد وللمغاربة المغرمين بهما.
خلاصة القول، لقد صدق من قال بأن إدخال السياسة في الدين وإدخال الدين في السياسة، إفساد لهما معا. ويتأكد هذا الأمر في الواقع المغربي. فالتدين في بلادنا قد طرأ عليه تغيير كبير بعد أن دخلت الوهابية إلى المغرب وتسرب إليه كذلك التيار الإخواني أو ما يسمى بالإخوان المسلمين. وهكذا، تعددت التيارات الدينية وظهرت توجهات مختلفة، بما في ذلك تلك التي يغلب عليها الغلو والتزمت والتطرف.