اسماعيل الحلوتي
ما من شك في أن معظم المواطنات والمواطنين المغاربة يدركون جيدا أهمية وجود البقال المعروف لديهم بلقب “مول الحانوت” في أحيائهم الشعبية، لما يقوم به هذا “البطل” التاريخي من دور إنساني واجتماعي فعال في حياتهم، جراء الخدمات الجليلة التي ما انفك يقدمها لهم على مدى عقود من الزمن، تتمثل بالدرجة الأولى في توفير حاجياتهم اليومية من المواد الاستهلاكية الأساسية، وتيسير عمليات الأداء من خلال فتح حسابات خاصة لزبنائه من سكان الحي في دفاتر شخصية…
فالبقال أو مول الحانوت كما هو متداول بين الأسر المغربية، هو أول من يستيقظ وآخر من ينام، ونادرا ما يستفيد من الراحة والعطلة الأسبوعية ولا السنوية ولا في الأعياد والمناسبات الوطنية والدينية، اللهم إلا في عيد الأضحى التي يضطر خلالها بعض التجار الصغار إلى السفر لقضاء هذه الشعيرة الدينية بجوار عائلاتهم بالقرى، وهو كذلك “البطل” الذي لا يموت حيث تتوارث حرفته وشعبيته الأجيال المتوالية، لسبب بسيط هو أنه يتجاوز نشاطه التجاري ويتحول إلى جزء من الذاكرة الشعبية، باعتباره الشخص الأكثر قربا من هموم ومشاغل الناس، فهو كاتم أسرار الزبناء والوحيد من يقرضهم دون فوائد وبتسهيلات للفقراء، وهو القادر على صون الأمانات وجلب كل ما يحتاجه المواطن/الزبون من سلع، سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية أو المواد التموينية والتنظيفية وغيرها كثير ومتنوع.
ومول الحانوت على عكس المتاجر العصرية الكبرى، يمكن أن تجده في كل زقاق وحي من أزقة وأحياء كافة مدن المملكة المغربية كما لا تكاد تخلو منه قرية من القرى، وهو صمام الأمان الذي يستمر في دعم الأفراد والأسر وخاصة الفقيرة وذوي الدخل المحدود، إذ أنه إلى جانب مد سكان الحي من الزبناء بكل ما هم في حاجة إليه من مواد دون أن يجشمهم عناء التنقل خارج الحي أو أن يدفعوا له سنتيما واحدا، أو يقدموا له أي ضمانة، كما يفعل بعض التجار الآخرين، بل يمكن أن يقرضهم مبالغ مالية لحل مشاكلهم الآنية، ويكفيه فقط التحلي بقيم الوفاء والحفاظ على الثقة التي يمنحها إياهم، من خلال الالتزام بتسديد ذلك عند آخر الأسبوع أو الشهر وفق المتفق عليه، حيث هناك من الأسر من تجمعها ب”مول الحانوت” علاقات طيبة ومتينة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود. ترى أين يمكن أن نجد تاجرا غيره بهذه المواصفات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والغلاء الفاحش الذي أنهك القدرة الشرائية للمواطنين، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات التي أرخت بظلالها على أسعار باقي المواد الأساسية؟
فحسب أرقام وزارة الصناعة والتجارة، تمثل المحلات التجارية الصغرى 36 في المائة من فرص التشغيل و80 في المائة من نقط البيع رغم ظهور المساحات التجارية الكبرى، وقدرت بعض التنظيمات المهنية عدد هذه المحلات التجارية بنحو 900 ألف محلا، يشغل كل واحد منها فردا أو اثنين على الأقل. وتشكل هذه الفئة من التجار الصغار 85 في المائة من التجارة في المغرب، ويأتي هذا القطاع الحيوي الهام في المرتبة الثانية خلف قطاع الفلاحة من حيث تشغيل المواطنين، إذ يوفر حوالي 1,5 مليون منصب شغل. لذلك بات “مول الحانوت” الشخصية الأكثر حضورا وتأثيرا داخل الدروب، لما ظل يلعبه من دور مركزي في تقوية النسيج الاقتصادي والتماسك الاجتماعي كذلك، ويمكن اعتباره الممون الأول للمواطنين مغاربة وغيرهم بالسلع ومختلف المنتوجات الغذائية الضرورية.
بيد أن ما لا يعرفه الكثيرون عن “مول الحانوت” الذي يعمل في صمت ويستعين بالكثير من الصبر، ويساهم في إنعاش التجارة الداخلية والاقتصاد الوطني، هو أنه مثله مثل كافة المواطنين يعاني من عدة مشاكل اجتماعية واقتصادية، ومنها إلى جانب غياب التغطية الصحية والتقاعد وغيره، الشعور بالملل داخل حانوته خاصة في أيام فصل الصيف الطويلة والحرارة المرتفعة التي من شأنها أن تؤدي إلى إتلاف بعض المواد الغذائية، ناهيكم عما يواجه من منافسة غير شريفة إثر تناسل الأسواق الكبرى، التي أصبحت تجتاح الكثير من الأحياء الشعبية وتهدد وجوده.
إن “مول الحانوت” على الرغم مما يوصم به من قبل البعض الذين لا يتورعون عن وصفه ب”المخبر” أو “السمسار” أو “الغشاش” وغير ذلك من النعوت القدحية، فإنه يشكل دعامة وطنية أساسية ويحظى بمكانة متميزة لدى معظم الزبناء من سكان الأحياء، مما يتطلب من السلطات العمومية أن توليه ما يستحق من اهتمام ورعاية. إذ يرى بعض الخبراء أن تجارة القرب تعد من بين أقوى تجليات منظومة الاقتصاد الاجتماعي الذي يتسم بالبعد التضامني، وأن “مول الحانوت” ليس مجرد نقطة بيع سلعة أو خدمة، بل هو عبارة عن شبكة من العلاقات والأدوار، التي تجعله أكثر إلماما بالوضع المادي والاجتماعي للأسر القاطنة في الحي عبر التواصل الدائم معها…