اسماعيل الحلواني
مهما اختلف المهتمون بالشأن التربوي في بلادنا ومعهم كافة المواطنات والمواطنين المغاربة وغيرهم مع مهندس النموذج التنموي الجديد ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، حول ما اتخذه منذ توليه المسؤولية من إجراءات وقرارات ارتجالية، أثارت الكثير من ردود الفعل الغاضبة وسيلا من الانتقادات الحادة لما لها من انعكاسات سلبية على الحياة المدرسية، فإنه لا يجادل اثنان فيما ظل يبذله من جهود في سبيل محاولة إصلاح المنظومة التعليمية، والارتقاء بفعل القراءة في صفوف المتعلمين، كان آخرها إطلاق مشروع تربوي هام يسعى إلى توفير مكتبات صفية لتلميذات وتلاميذ التعليم الأساسي بالمدرسة العمومية، وفق برنامج للمواكبة داخل الفصول الدراسية وخارج أوقات الدراسة.
وهو المشروع التربوي القيم الذي لا يمكن إلا تثمينه والتصفيق للواقفين خلفه بحرارة، إذ يقوم على إرساء 60 ألف “ركن للقراءة” بمؤسسات التعليم الابتدائي العمومي عبر التراب الوطني، يعتمد ميثاقا لتدبير مكتبة القسم بغية تشجيع المتعلمات والمتعلمين على الانخراط والمساهمة في تطوير حس التعاون والسلوك المدني، كما أن هذا المشروع الكبير يهدف إلى تحبيب فعل القراءة لديهم بواسطة خلق جانب ترفيهي (مسابقة قراءة 20 كتابا سنويا).
حيث أشرف الوزير بنموسى يوم الثلاثاء 23 أبريل 2024 على انطلاق هذه المبادرة ودعم عملية تجهيز الفصول الدراسية بجميع مؤسسات السلك الابتدائي بما أسماه “ركن القراءة”، انطلاقا من إحدى المؤسسات التعليمية بمدينة سلا، معتمدا على برنامج للمواكبة قصد جعل الفعل القرائي عادة يومية للمتعلم، إما داخل القسم أو عبر الأنشطة الموازية، ومن ثم تكريس دور الوزارة في تحسين تعلمات التلاميذ، باعتباره أحد الأهداف الثلاثة لخارطة الطريق 2022/2026 من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع…
وهي المبادرة التي لقيت استحسانا واسعا من قبل الفاعلين التربويين والمثقفين والأسر المغربية، وأعادت إلى الأذهان تجربة مدارسنا الابتدائية في التشجيع على الفعل القرائي إبان الزمن الذهبي، عقب استقلال البلاد من نير الاحتلال الفرنسي. حيث أنه لم يمض كثير من الوقت حتى بدأ مستوى القراءة يتراجع بشكل لافت، ولاسيما بعد الثورة التكنولوجية وانتشار الهواتف الذكية واللوحات الإلكترونية وغيرها، مما أدى بكثير من المثقفين والكتاب إلى دق ناقوس الخطر، منبهين إلى خطورة الوضع وتداعياته على الأفراد والمجتمع، فيما عزا بعض المحللين تدني القراءة إلى ضعف تحفيز الأسر والمناهج المدرسية، فضلا عن تفشي الأمية داخل المجتمع، تدهور القدرة الشرائية وقلة الأندية الثقافية ودور الشباب وغيرها.
فقد سبق لوزير التربية الوطنية قبل الإقدام على هذه الخطوة المتميزة أن نبه منذ حوالي سنتين إلى ضعف التحصيل الدراسي بالنسبة للمتعلمين في سلكي التعليم الابتدائي والإعدادي، ونستحضر هنا مداخلته أمام لجنة التعليم في مجلس المستشارين، حيث قال: “إن عددا من الدراسات والتقارير الدولية تصنف المغرب في خانة أقل من المعدل الدولي من حيث تمكن التلاميذ من الكفايات الأساسية” وكشف في ذات السياق عن أن 70 في المائة منهم يواجهون صعوبات في القراءة والكتابة والرياضيات، مشددا على ضرورة تكثيف جهود كل الفاعلين داخل المنظومة التربوية لتجاوز الوضع القائم وتحقيق الجودة المرجوة.
وجدير بالذكر أنه إضافة إلى ما دعا إليه وزير التربية الوطنية من ضرورة مضاعفة الجهود نحو تحفيز المتعلمين على القراءة، وما سبق أن اتخذته السلطات العمومية والفاعلون في المجتمع المدني من تدابير وإجراءات في ذات الاتجاه، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لم يتأخر هو الآخر في دق ناقوس الخطر في تقرير له حول ظاهرة عزوف المواطنات والمواطنين صغارا وكبارا عن القراءة، وما بات يشهد واقع القراءة ببلادنا من تراجع رهيب، ينذر بكارثة حقيقية في الحال والمستقبل على المستوى المعرفي، كآلية أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فالقراءة تقوم بدور مركزي في المجتمعات المعاصرة، وهي من بين أبرز المهارات الأساسية التي تركز على أهميتها النظم الحديثة، لكونها تمكن المتعلمين من الحصول على المعارف واكتساب باقي المهارات الأخرى، كما تساهم بفعالية في تكوين الفرد ودعم ثقته بنفسه وإثراء قاموسه اللغوي. ولو لم تكن القراءة تكتسي أهمية بالغة وذات فوائد جمة، ومنها التعرف على العلوم والثقافات والحضارات المختلفة، وكسب مهارات التخاطب مع الغير، كما لها دور كبير في الإبداع والابتكار والتطور والازدهار، ما كان لتكون أول آية نزلت على سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام هي: “اقرأ باسم ربك الذي خلق”.
إن إحداث “ركن القراءة” في مدارسنا الابتدائية بالتعليم العمومي يعد خطوة إيجابية صوب إعادة الاعتبار للقراءة، لكنها تظل غير كافية في ترسيخ هذا الفعل التربوي النبيل في أذهان تلامذتنا، ما لم يرافق ذلك تكريس ثقافة المطالعة داخل الأسرة وإيلاء المكتبات المدرسية اهتماما خاصا وتزويدها بالكتب المشوقة، والاهتمام أيضا بالأندية الثقافية ودور الشباب، الإكثار من المعارض التقليدية بالأحياء الشعبية وأن تتضافر جهود الفاعلين التربويين والإعلاميين وغيرهم للتحسيس بأهمية القراءة، وخلق المزيد من المبادرات التي من شأنها النهوض بالقراءة.
اسماعيل الحلوتي