اسماعيل الحلوتي
واهم اليوم من مازال يعتقد بأن السيجارة التقليدية هي وحدها ذلك الشر المستطير الذي يلحق أضرارا بليغة بالشخص المدخن، لما لها من عواقب وخيمة على صحته، إذ خرجت إلى الوجود في السنوات الأخيرة سيجارة أخرى لا تقل عنها خطورة وضررا إن لم تكن الأضر والأخطر، وهي السيجارة الإلكترونية التي ظهرت عند بداية الأمر في الصين، ثم تم تسويقها لعديد البلدان وخاصة عبر شبكة الإنترنت.
ذلك أنه خلافا لما ظل يظن بعض مستعملي السيجارة الإلكترونية من كونها تساعد في الإقلاع عن التدخين التقليدي، أو أن استخدامها لا يعدو أن يكون من باب الترف أو الترفيه، فهي أفظع من ذلك كله حتى وإن كان بعض الأطباء يرون أن التدخين الإلكتروني أقل ضررا بكثير من التدخين العادي، لكنه ليس خاليا من المخاطر. فالسيجارة الإلكترونية تتكون من بطارية تشتغل أثناء الاستنشاق، مما يؤدي إلى الإصابة بسرطان الفم بما لا يقل عن 2,5 مرة مقارنة مع غير مستعملها، ويكمن ضررها الأكبر في احتوائها على النيكوتين مثلها مثل السيجارة العادية، علما أن النيكوتين من المواد التي إلى جانب كونها تتسبب في الإدمان وتترتب عنها اضطرابات في التركيز والمزاج، تؤثر على وظيفة الدماغ وعمليات أخرى في الجسم مثل ارتفاع ضغط الدم ووتيرة نبضات القلب.
ففي هذا السياق وجوابا عن سؤال كتابي بمجلس النواب، تقدم به عضو من أحزاب المعارضة حول “الانتشار المقلق والمخاطر الشديدة للسيجارة الإلكترونية على صحة الشباب والمراهقين والأطفال بالمغرب” كشف وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب عن معطيات صادمة ومفزعة، مشيرا إلى أن هذا النوع من السجائر يعد الأكثر استعمالا بالمقارنة مع السجائر العادية لدى أطفال المدارس المتراوحة أعمارهم بين 15 و17 سنة (الذكور: 2 في المائة، الإناث: 5 في المائة) وأن 7,7 في المائة منهم استخدموها قبل سن العاشرة. لافتا الانتباه إلى أن 9,6 في المائة حصلوا عليها بين 10 و12 سنة، و23,4 في المائة بين 13 و14 سنة، وحوالي 60 في المائة لدى البالغين من العمر 15 سنة فما فوق.
والتدخين بنوعيه سواء كان عاديا أو إلكترونيا، يشكل إحدى أبرز آفات العصر حسب ما تؤكده عديد الدراسات العلمية والتقارير الدولية، ويعد من بين أخطر السموم التي تهدد حياة البشر. وإذا كانت السيجارة العادية تحتوي على مواد كيميائية، تؤدي إلى أضرار بليغة ومتفاوتة الخطورة على حياة المدخن وإتلاف أجهزة بكاملها في جسمه، ومن ثم إلى هلاكه وإن بصفة بطيئة، حيث أن تدخين التبغ لا يتسبب فقط في الإصابة بسرطان الرئة، الذي يعتبر مسؤولا مباشرا على موت ثلثي الحالات، وأن استنشاق دخانه بشكل غير مباشر في البيت أو خارجه في مقرات العمل أو المقاهي وغيرها يزيد هو الآخر من معدل الإصابة بسرطان الرئة وما إلى ذلك من المخاطر…
فإن السيجارة الإلكترونية لا يتم الاكتفاء فيها بحرق التبغ على غرار السيجارة العادية، بل تعمل عن طريق آلية تبخير سائل يجري تسخينه ويتحول إلى بخار يستنشق من قبل المدخن، ويشمل هذا السائل بالإضافة إلى النيكوتين مواد كيميائية أخرى ونكهات مختلفة. وأثبتت عدة دراسات أنها لا تختلف كثيرا عن السيجارة العادية من حيث الإصابة بداء السرطان وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والشرايين والاكتئاب والقلق والالتهابات وغيرها، كما أنها تضر بصحة الحامل وجنينها، وتؤثر على الدماغ والتعلمات لدى الأطفال، خاصة أن الدماغ يستمر في طور النمو حتى بلوغ الإنسان سن الخامسة والعشرين من العمر، لذلك تكاد منظمة الصحة العالمية لا تتوقف عن التنبيه إلى مخاطر التدخين الإلكتروني، وتدعو إلى الكف عن تضليل ضحايا التدخين، من خلال الترويج للسيجارة الإلكترونية كوسيلة مساعدة للمدخنين في الإقلاع عن هذه العادة السيئة.
وجدير بالذكر أن دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2019 بينت وجود مادتين كيميائيتين تستخدمان على نطاق واسع، بهدف إضفاء نكهة خاصة على السيجارة الإلكترونية، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير على وظيفة الأهداب، كما هو الشأن بالنسبة للسيجارة العادية، إذ سيرتبط النيكوتين في الحالتين معا بالبروتينات الموجودة في الدماغ خلال 11 ثانية فقط، مما يؤدي إلى إطلاق الدوبامين والسيروتونين، ويمنح المدخن شعورا كاذبا بالسعادة. هذا دون إغفال ما يترتب عن التدخين الإلكتروني من ارتفاع معدل ضربات القلب والتنفس المتكرر ودرجة حرارة الفم، وانخفاض في مستويات الأوكسجين في الدم، وتعرض الخلايا للإجهاد التأكسدي، الذي غالبا ما يسبب في أوجاع الرأس والعضلات والتعب وضباب الدماغ…
إننا نأسف كثيرا لما بات يشهده مجتمعنا المغربي من تراجع القيم وتنامي مظاهر الانحراف، ندعو جميع فعاليات المجتمع المدني إلى العمل بجانب السلطات والأسر المغربية ومختلف وسائل الإعلام على تكثيف الجهود في اتجاه وضع برامج اجتماعية هادفة من أجل محاصرة استعمال السيجارة الإلكترونية وغيرها من الآفات، ولاسيما أن وزارة الصحة ببلادنا قامت بإرساء استراتيجية وطنية متكاملة تمتد من 2022 إلى 2030، تقوم على مقاربة ذات بعد تكويني ميداني وآخر وقائي وعلاجي، تجاوبا مع توصيات وكالات الأمم المتحدة، تمكن من التحسيس بخطورة تدخين النيكوتين والسجائر الإلكترونية لدى فئة الأطفال والمراهقين والشباب، وتوفير العناية والخدمات الصحية اللازمة.