الثلاثاء. أكتوبر 22nd, 2024

ابن كيران بين زلزال الحوز وجنازة هنية!

اسماعيل الحلوتي

لعل من بين أبرز الأشياء التي تميز صاحب أكبر معاش استثنائي في تاريخ المغرب المعاصر، رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، عبد الإله ابن كيران عن باقي الأمناء العامين لأحزابنا السياسية، أنه يمتلك مزاجا متقلبا ويحسن لعبة التباكي والكيل بمكيالين، وهو ما يجعل خرجاته الإعلامية تحظى باهتمام المواطنين وتثير الكثير من ردود الفعل المتباينة، فضلا عن أنها تجر عليه سيولا جارفة من الانتقادات اللاذعة وأمواجا هادرة من السخرية والاستهجان.
وبصرف النظر عن تلك الخرجات الإعلامية الرعناء، وما تثيره من سخط واستياء عميقين في أوساط المواطنين وخصومه السياسيين، يهمنا هنا في هذه الورقة المتواضعة الحديث باقتضاب شديد عن جزء من مواقفه المثيرة للاستغراب في التعامل مع بعض الأحداث المأساوية. حيث أن ابن كيران المثير للجدل وبدل أن يسارع إلى مواساة العائلات المكلومة ويقدم التعازي للشعب المغربي بمناسبة زلزال الحوز المباغت والمدمر، أبى إلا أن يختار البقاء في بيته بعيدا عن وجع الدماغ، ويتفرج من هناك على الحصيلة الكارثية المتمثلة في وفاة قرابة 3000 شخصا وإصابة المئات من الساكنة صغار وكبارا، فضلا عن تدمير عدد من المباني السكنية والمدارس والطرق وغيرها…
ويا ليت ابن كيران وقف عند حدود متابعة الأخبار عن بعد والتزام الصمت، إذ بإيعاز منه سارعت الأمانة العامة لحزبه إلى إصدار بلاغ في 24 شتنبر 2023 يربط بين زلزال الحوز والمعاصي السياسية، معتبرا أن “كل شيء يصيب الإنسان فيه إنذار رباني”، ومشددا على أن ما حدث من دمار يعود بالأساس إلى ما وصفه ب”الذنوب والمعاصي والمخالفات ليس فقط بمعناها الفردي ولكن بمعناها العام والسياسي”. وهو ما أثار حفيظة المغاربة حتى من داخل الحزب، حيث رأى بعض قيادييه أن “البلاغ” يشكل انتكاسة في خطاب الحزب وضربا لمساعيه في التطبيع مع واقعه والاقتراب من الناس، وأدى إلى استقالة وزير سابق، كما أن هذا الموقف كشف بوضوح عن انتهازية الرجل الذي يكاد لا يتوقف عن محاولة العودة للأضواء، مستغلا في ذلك كل كبيرة وصغيرة مهما كانت مستفزة لمشاعر المواطنين.
فابن كيران الذي لم يجشم نفسه عناء نشر تدوينة بسيطة على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يعزي من خلالها عائلات ضحايا الزلزال المدمر ويواسيهم في هذا المصاب الجلل، هو نفسه الشخص الذي نشر يوم الجمعة 2 غشت 2024 تدوينة له على صفحته الشخصية يقول فيها: “شاركت هذا الصباح رفقة الأخ محمد رضى بنخلدون في مراسيم تشييع جنازة الشهيد القائد والمجاهد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية حماس”
حيث أنه وبمبادرة شخصية قام بما يلزم من ترتيبات للسفر وطار بسرعة وعلى نفقته الخاصة إلى العاصمة القطرية الدوحة رفقة كل من القيادي رضى بنخلدون المكلف بالعلاقات الخارجية للحزب، والمرافق الشخصي له فريد تيتي، لحضور مراسيم تشييع جنازة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس”، الذي اغتيل يوم الأربعاء 31 يوليوز 2024 في طهران عن طريق استهداف مقر إقامته هناك بصاروخ مباشر في تمام الساعة الثانية فجرا بتوقيت طهران. كما لم يفته إلقاء كلمة أمام جموع الوفود القادمة لتقديم العزاء ينعى من خلالها الشهيد إسماعيل هنية، مستغلا الفرصة للحديث عن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي ما انفكت تقدم خيرة قادتها شهداء…
وليس مثل هذا الانحياز المفضوح للحركات الإسلامية دون غيرها بالأمر الجديد على ابن كيران، فقد سبق له وهو رئيس للحكومة أن حضر جنازة الطالب عبد الرحيم الحسناوي المنتمي لمنظمة “التجديد الطلابي” الذي ذهب ضحية اعتداء إجرامي من قبل أشخاص يزعمون أنهم طلبة، مرفوقا بكل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر السابق لحسن الداودي وسمية بنخلدون الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم والبحث العلمي وتكوين الأطر سابقا، وقيادات أخرى من داخل الحزب وذراعه الدعوي “حركة التوحيد والإصلاح”. وفي المقابل لم يعر في نفس الفترة أدنى اهتمام لموت عدد آخر من الطلبة، لسبب بسيط وهو أنهم غير محسوبين لا على التجديد الطلابي ولا حركة التوحيد والإصلاح ولا حزب “المصباح”، مثل الطالبة التي دهسها القطار في محطة مدينة أزمور، الطالبة التي عثر عليها مشنوقة بالرباط، الطالب القاعدي الذي قضى بسبب تدخل أمني عنيف بمدينة فاس، الطالب الذي تلقى طعنات سكين قاتلة في مدينة مراكش، والطالب بمرتيل الذي سقط من أعلى سطح بناية في ظروف غامضة.
إننا لسنا ضد ذهاب ابن كيران لتقديم العزاء لأي كان سواء كان قائدا سياسيا أو طالبا، ولكننا نرفض هذا الشكل من المفاضلة بين الأموات كما فاضل بين الأحياء وهو رئيس للحكومة. وإلا ما معنى أن يستقل الطائرة التي قطعت به حوالي عشر ساعات في الفضاء، من أجل تأبين الشهيد إسماعيل هنية بالدوحة، فيما لم يكلف نفسه عناء نشر تدوينة قصيرة، يعزي من خلالها عائلات ضحايا زلزال الحوز ويواسيهم، بدل التشفي فيهم عندما وصف الكارثة بالعقاب الإلهي؟ !

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *