اسماعيل الحلوتي
يبدو أننا أفضنا كثيرا في الحديث عن فشل المنظومة الرياضية ببلادنا، وطالبنا بإلحاح شديد بضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ضد المسؤولين الفاشلين من مسيرين ومدربين ومؤطرين ورؤساء جامعات رياضية، في ظل الحصيلة الهزيلة خلال “أولمبياد باريس 2024” التي احتضنتها العاصمة الفرنسية في الفترة الممتدة ما بين 26 يوليوز و11 غشت 2024، حيث أنه من 60 رياضيا مشاركا ذكورا وإناثا، و19 نوعا رياضيا، لم تتمكن جامعاتنا الرياضية من إحراز عدا ميداليتين، واحدة ذهبية فاز بها البطل العالمي المتألق سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع، وأخرى نحاسية من نصيب المنتخب الأولمبي لكرة القدم الذي احتل الرتبة الثالثة خلف المنتخبين الفرنسي والإسباني.
وفي خضم الانتقادات اللاذعة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي والموجهة أساسا للقائمين على الشأن الرياضي ببلادنا، باستثناء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي عرفت في السنوات الأخيرة نقلة نوعية كبيرة وما انفكت تحقق نتائج مبهرة، ومن ضمنها بلوغ “أسود الأطلس” دور نصف النهائي في بطولة كأس العالم “قطر 22″، قررت فرق الأغلبية الحكومية الانضمام إلى فرق المعارضة بمجلس النواب، والتفاعل مع أصوات الاستنكار المتعالية والمنددة بالنتائج الكارثية، لتطالب هي الأخرى من تحت قبة البرلمان بضرورة عقد اجتماع عاجل وطارئ، مع كل من الوزير المكلف بقطاع الرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية، من أجل تدارس حصيلة المشاركة المغربية في الألعاب الأولمبية الصيفية بباريس، والوقوف من خلالهما على الأسباب الكامنة خلف هذه الانتكاسة الرياضية الصادمة.
فاعترافا بما قدمه العداء المغربي سفيان البقالي من إنجاز تاريخي كبير قاده إلى التتويج بالميدالية الذهبية في الدورة الثالثة والثلاثين من الألعاب الأولمبية باريس 2024، واحتفاظه باللقب الأولمبي للمرة الثانية على التوالي بعد دورة “طوكيو 2020″، لم يكتف العاهل المغربي محمد السادس الذي لم يفتأ يحيط الشباب بعنايته السامية ويولي اهتماما خاصا بقطاع الرياضة بمختلف تخصصاته، ببرقية التهنئة على الفوز المشرف التي بعث بها إليه فور حصوله على تلك الميدالية يوم 7 غشت 2024، إذ قام باستقباله يوم الأربعاء 14 غشت 2024 بالقصر الملكي بتطوان، ووشحه بوسام العرش من درجة قائد.
من هنا يتضح جليا أن الملك لا يتوانى عن تشجيع الأبطال الرياضيين الذين يبدون غيرة وطنية صادقة وعزيمة قوية على رفع راية المغرب عاليا في المحافل الرياضية، أولئك الشباب الذين يشكلون القدوة الحسنة من خلال المثابرة والإصرار على الفوز، مما قد يلهم الأجيال الصاعدة في اتجاه العمل على تحقيق أفضل النتائج والإنجازات المشرفة التي من شأنها أن ترفع راية الوطن خفاقة على منصات التتويج.
بيد أنه علينا في المقابل ألا ندع التتويج بالميدالية الذهبية يغطي عن الجهود الجبارة التي قام بها محمد تندوفت، وما قدمه من درس بليغ في التضحية ونكران الذات، وإلا ما كان ليساهم في صنع الفوز بتلك الميدالية الذهبية في أولمبياد باريس 2024، إذ يحسب له ذلك الدور الحاسم الذي استطاع بواسطته وذكائه التكتيكي إفشال خطط المنافسين الإثيوبيين والكينيين وتفكيك مجموعتهم التي كانت تقود “الكوكبة” بهدف إحكام الطوق على البقالي ومحاصرته، حيث أبى إلا أن يفرض نفسه عليهم بقوة ومن ثم أتاح فرصة الانطلاق السريع في الوقت المناسب لزميله البطل سفيان البقالي الذي حسم السباق لصالحه، وهو ما يفسر تلك اللقطة الجميلة والمؤثرة التي يظهر فيها وهو يتوجه مباشرة بعد خط النهاية نحو العداء محمد تندوفت ليقبل رأسه أمام أنظار العالم تقديرا لدوره الحاسم في تحقيق هذا الإنجاز الكبير.
فهل تكفي قبلة البطل العالمي سفيان البقالي التي رسمها على رأس العداء المغربي الموهوب محمد تندوفت، في الاعتراف بما قدمه هذ الأخير من خدمة جليلة ليس فقط لابن بلده في إحراز الميدالية الذهبية في سباق 3000 متر موانع بأولمبياد باريس 2024، بل ولألعاب القوى المغربية ككل؟ وحده رئيس الجامعة الملكية لألعاب القوى عبد السلام أحيزون، من يستطيع الرد على هذا السؤال وغيره من الأسئلة.
وإذ نجدد تهانينا للبطل العالمي المتألق سفيان البقالي، ليس فقط على التتويج بالميدالية الذهبية في “أولمبياد باريس 2024″، بل أيضا على ما أبان عنه من حس وطني صادق وإصرار على رفع علم بلاده عاليا في سماء باريس، متحديا كل الصعاب، فإننا ندعو إلى ضرورة الالتفات إلى العداء المغربي الواعد محمد تندوفت وتكريمه، اعترافا بما قدمه من درس بليغ في معنى التضحية ونكران الذات، في إطار العمل الجماعي الذي يساهم في تعزيز روح الفريق، حتى يكون نموذجا يحتذى للأجيال الصاعدة من الرياضيين.