الأحد. نوفمبر 24th, 2024

الكابرانات واستمراء لعبة سحب السفراء!

اسماعيل الحلوتي 

يبدو أن “كابرانات” الجزائر اكتشفوا فجأة لعبة جد مسلية، وهي ما يمكن أن نطلق عليها اسم “لعبة سحب السفراء” التي تساهم في رفع الضغط عنهم وتساعدهم في التظاهر بالقوة والتخلص من حالة الاضطراب النفسي، التي باتت تلازمهم كظلهم، جراء ما يقوم به المغرب من عمل جاد ودؤوب تحت قيادة عاهله الملهم محمد السادس قصد التعريف بعدالة قضيته الوطنية الأولى: “الصحراء المغربية”، وما يحققه من مكاسب وانتصارات دبلوماسية بفضل الرؤية الملكية الحكيمة والمتبصرة.
فأن يقطع النظام العسكري الجزائري علاقة بلاده الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب، ويسارع إلى سحب سفيره، بدعوى أن النظام المغربي يشكل عدوا خارجيا لا يتوقف عن ممارساته العدائية وتهديد أمن واستقرار الجزائر، ذلك أمر مفهوم في ظل عقيدة الكره له ومادام الغرض منه هو محاولة إلهاء الشعب الجزائري عن أهم مشاكله الداخلية وأزماته الاقتصادية والاجتماعية. بيد أن غير المفهوم هو إقدامه على سحب سفرائه من أي دولة تتجرأ على شق عصا الطاعة والانحياز للطرح المغربي، عبر الاعتراف بمغربية الصحراء وتأييد مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، علما أن الجزائر طالما صرحت في عديد المناسبات بأنها ليست طرفا في نزاع “الصحراء الغربية” وغير معنية به…
إذ بمجرد ما غيرت فرنسا موقفها بخصوص ملف الصحراء المغربية، عندما اختار رئيسها إيمانويل ماكرون أن يقدم هدية ثمينة لملك المغرب محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلائه العرش، تتمثل في الرسالة الموجهة إليه متضمنة قرار اعتراف حكومته بمغربية الصحراء، واعتبار مخطط الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب في عام 2007 هو الأساس الوحيد لحل النزاع الإقليمي المفتعل بين الرباط والانفصاليين الصحراويين التابعين لجبهة البوليساريو…
حتى ثارت ثائرة “الكابرانات” ولم يترددوا لحظة في اللجوء إلى سحب سفير بلادهم لدى فرنسا بأثر فوري، وذلك عبر بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية في ذات اليوم 30 يوليوز 2024، يستنكرون فيه بشدة إقدام الحكومة الفرنسية على “تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض في إقليم الصحراء الغربية، متهمين إياها بالاستخفاف والاستهتار الكبيرين دون أدنى تقييم للعواقب التي يمكن أن تسفر عن مثل هذا القرار، إضافة إلى انتهاكها للشرعية الدولية والتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره…”
فعساكر الجزائر استمرأوا على ما يبدو “لعبة سحب السفراء” لما لهم فيها من مآرب وحدهم يعلمون أهميتها، إذ سبق لهم سحب سفيرهم لدى باريس خلال سنة 2021 بسبب خفضها عدد التأشيرات التي تمنحها لمواطني الجزائر، ولاسيما تصريحات الرئيس “ماكرون” النارية التي انتقد بواسطتها ما أسماه “التاريخ الرسمي” الذي كتبته الجزائر لنفسها، معتبرا أنه تاريخ “لا يستند إلى حقائق”. وذهب إلى حد التشكيك في وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي، مما اضطر معه الجيش الجزائري إلى منع الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل من التحليق في المجال الجوي للجزائر. ومع كل ذلك لم يلبث “عبد المجيد تبون” الواجهة المدنية للنظام العسكري الجزائري أن أعلن بعد تلك الأزمة الدبلوماسية الشديدة التي دامت عدة شهور، عن عودة سفير بلاده لمواصلة مهامه في باريس اعتبارا من يوم الخميس 2 يناير 2022.
وليس هذا وحسب، بل سبق كذلك للجزائر أن قامت في مارس 2022 باستدعاء سفيرها لدى مدريد للتشاور، احتجاجا على ما اعتبرته “انقلابا مفاجئا” في موقف الحكومة الإسبانية إزاء ملف الصحراء المغربية، بعدما كان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بعث برسالة إلى العاهل المغربي، يصف فيها مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء بالمبادرة “الأكثر جدية” للتسوية في الإقليم المتنازع عليه، وهو الموقف الذي اعتبره عديد المراقبين “تحولا تاريخيا” لكون إسبانيا هي المستعمر السابق للإقليم، خاصة أنها كانت تتبنى موقفا محايدا من قبل.
فعلى نفس النهج الذي دأبت عليه، عادت السلطات الجزائرية بعد مرور حوالي عام من سحب سفيرها لتعيده إلى منصبه بمدريد، بدعوى “أن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز قدم إشارات إيجابية تخص عودة إسبانيا إلى حيادها من نزاع الصحراء” معتمدة في ذلك على خطابه في الجمعية العامة الأممية، الذي أكد فيه أن بلاده تؤيد حلا سياسيا مقبولا بين الطرفين فيما يرتبط ب”الصحراء الغربية”. لكن سرعان ما عاد سانشيز ل”تجديد موقف بلاده الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية” بمناسبة زيارته للرباط في نفس الشهر، وفق ما أعلن عنه الديوان الملكي المغربي.
لكن المثير للاستغراب هو أن “الكابرانات” ينتقون بعناية من يمارسون معهم لعبة “سحب السفراء”، وإلا ما معنى عدم سحب سفير بلادهم من واشنطن عند اتخاذها قرار الاعتراف بمغربية الصحراء في دجنبر 2020 إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أيدته إدارة الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن”؟ فما يغيب عن أذهانهم، هو أنهم يسيرون ببلادهم في طريق مسدود، بعدما صار واضحا أن الاعتراف بمغربية الصحراء حقيقة ثابتة، ولن يقف عند حدود الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا، وتوالي فتح القنصليات الأجنبية بالأقاليم الجنوبية، بل سيمتد إلى مزيد من الدول والقنصليات العربية والإفريقية والأوروبية والأمريكية، فيما سيتواصل عزل الجزائر عن العالم.
اسماعيل الحلوتي

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *