اسماعيل الحلوتي
مباشرة بعد إسدال الستار على الدورة الثالثة والثلاثين للألعاب الأولمبية الصيفية، التي جرت أطوارها في العاصمة الفرنسية باريس خلال الفترة الممتدة من 26 يوليوز إلى 11 غشت 2024، تعالت أصوات الاستنكار والتنديد على منصات التواصل الاجتماعي، مطالبة بضرورة تفعيل المقتضى الدستوري “ربط المسؤولية بالمحاسبة” في حق المسؤولين وعلى رأسهم رؤساء الجامعات الرياضية باستثناء الجامعة الملكية لكرة القدم، حيث جاءت النتائج مخيبة للآمال ودون مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، إذ لم تتمكن الرياضة الوطنية من الحصول عدا على ميداليتين، واحدة ذهبية للبطل العالمي سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع، وأخرى نحاسية من نصيب المنتخب الأولمبي لكرة القدم، إثر احتلاله الرتبة الثالثة.
وليست وحده الجمهور الرياضي الذي استاء من الحصيلة الباهتة، خاصة أن البعثة الأولمبية ضمت 60 رياضيا إناثا وذكورا في 19 لعبة رياضية، وخصصت لها ميزانية بقيمة 8 مليارات سنتيم للتحضير القبلي، بل دخلت على الخط الهيئات السياسية والجمعيات الحقوقية، للمطالبة بإجراء افتحاص عام والتدقيق في مالية الجامعات الرياضية المشاركة، كما أن فرقا برلمانية دعت إلى عقد اجتماع طارئ للجنة التعليم والثقافة والاتصال بالغرفة الأولى للبرلمان، قصد تدارس النتائج التي جاءت دون مستوى انتظارات الشعب المغربي والوقوف عند مكامن الخلل وأوجه التقصير التي أدت إلى هذا الإخفاق الجماعي المحبط في “أولمبياد باريس 2024″، بحضور كل من وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، ورئيس اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية فيصل العرايشي الذي هو نفسه رئيس الجامعة الملكية لكرة المضرب، إلى جانب جميع رؤساء الجامعات الرياضية المعنية.
ثم إنه في تفاعل مع النتائج السلبية في الألعاب الأولمبية، أطلق عدد من النشطاء حملة رقمية واسعة، يطالبون من خلالها بإقالة “ديناصورات” الجامعات الرياضية، الذين لم ينجحوا سوى في الكسب السهل ومراكمة الامتيازات، بينما فشلوا في تحقيق أي إنجاز رياضي، محملين إياهم مسؤولية هذه المهزلة الرياضية الكبرى. والأكثر من ذلك أنهم أرفقوا مطالب الإقالة بصور رؤساء الجامعات الرياضية المعنية، يؤاخذونهم على سوء التدبير والتقدير، داعين إياهم إلى ترك مناصبهم لمن يستحقها من الشباب القادرين على تحمل المسؤولية بجدية وحس وطني صادق. أليس من العار أن تكلفنا ميداليتان ذهبية ونحاسية ثمانية ملايير من السنتيمات؟ ثم هل يعقل ألا يستطيع المغرب الحصول سوى على عشر ميداليات خلال عشرين سنة من 2004 إلى 2024 (4 ذهبية، 6 نحاسية و2 فضية)؟
وفي الوقت الذي ظل فيه المغاربة يترقبون أن يتحلى رؤساء الجامعات الرياضية بالشجاعة الأدبية، والخروج للاعتذار عن حصيلتهم “الصفرية” والكشف عن الأسباب الكامنة خلف هذه الانتكاسة الرياضية، رغم كل الإمكانيات الهائلة التي تم توفيرها للجامعات الرياضية، والاستثمارات الضخمة في القطاع الرياضي عامة والبنيات التحتية بصفة خاصة، فإذا برئيس الجامعة الملكية المغربية للمسايفة يوسف فتحي، يباغتهم بالإعلان عن استقالته عبر صفحته الشخصية على موقع الفيسبوك، بيد أنه لم يجد من مبرر لاستقالته سوى الادعاء بأنه يود فتح المجال أمام ذوي الكفاءة من الشباب الواعد لتولي القيادة والدفع بعجلة الجامعة نحو الأمام، والحال أنه كان عليه الاعتذار للمغاربة والقيام بتقييم موضوعي للمشاركة المتواضعة للجامعة التي يشرف عليها.
من هنا يحق لنا أن نتساءل عن هذا الإصرار المتواصل من قبل باقي رؤساء الجامعات الرياضية على التمادي في صم آذانهم والتمسك بمناصبهم، غير عابئين بتلك العواصف الشديدة من الانتقادات التي تكاد تقتلعهم من على كراسيهم الوتيرة؟ ألا يعلم هؤلاء “المعمرون” أنه في الدول التي تحترم شعوبها وتقدر مشاعرها، يبادر المسؤولون إلى تقديم استقالاتهم متى ما أخفقوا في تحقيق ما ينتظر منهم من إنجازات، دون أي ضغوطات من الشارع أو غيره؟ وإلى متى سيظل المغاربة يكتفون بترديد تلك المقولة البئيسة والمحبطة “ما دمت في المغرب، فلا تستغرب”، أي أن كل شيء مباح كان فشلا أو فسادا أو غيرهما في غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة ومادامت العلاقات العائلية والحزبية هي المتحكمة في مجريات الأمور؟
فهل يسارع باقي رؤساء الجامعات الرياضية إلى إنقاذ ماء الوجه والانسحاب بهدوء؟ ذلك ما ينتظر المغاربة كافة، ولاسيما أن ملك البلاد لم ينفك يحذر المسؤولين من مغبة التقاعس والتقصير في أداء واجبهم، ويكفي أن نستشهد هنا بما سبق أن جاء في خطابه السامي يوم 29 يوليوز 2017 بمناسبة الذكرى 18 لتربعه على العرش، حيث قال: “لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته ويقود سيارته وينظر إلى الناس بدون خجل أو حياء” وأضاف “تصدمنا الحصيلة والواقع بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم”.