الثلاثاء. ديسمبر 17th, 2024

المتقاعدون بحاجة إلى إنصاف حقيقي!

اسماعيل الحلوتي

في ظل ما باتت تشهده بلادنا في الأعوام الأخيرة وخاصة مع قدوم حكومة عزيز أخنوش، من التهاب مضطرد في أسعار المحروقات التي بلغت مستويات قياسية، وانعكست حرارتها على باقي أسعار المواد الغذائية الأساسية والواسعة الاستهلاك، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم وما ترتب عن كل ذلك من تقويض للقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة على حد سواء، تعالت الأصوات في مختلف ربوع المملكة منددة بموجة الغلاء ومطالبة بمواجهة حمى الأسعار والتصدي للمضاربين والوسطاء وغيرهم، الزيادة في الأجور وخلق فرص الشغل للشباب المعطلين، وفي مقدمتهم خريجو الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين.
وإذا كانت الحكومات المتعاقبة تضطر من حين لآخر تحت ضغط الشارع والمركزيات النقابية على محاولة امتصاص غضب العمال والمأجورين والحفاظ على السلم الاجتماعي، عبر إقرار زيادات طفيفة في أجور الشغيلة المغربية في القطاعين العام والخاص، فإنها لم تكن تولي أدنى اهتمام لفئة مهمة في المجتمع، وهي فئة المتقاعدين التي ما انفكت تعاني من الإقصاء والتهميش على مر السنين، بالرغم مما قدمت من تضحيات ونكران الذات في سبيل تنمية البلاد، وهو ما اضطرها في الشهور الأخيرة إلى الانتفاض ضد الحكومة والخروج عن صمتها قصد إسماع صوتها من خلال عدد من التنظيمات الحرة، مادامت النقابات منشغلة فقط بملفات الأجراء والعمال.
بيد أنه وفي خطوة غير مسبوقة، أبت حكومة أخنوش فجأة في شخص الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع إلا أن تستجيب لما ظل المتقاعدون يطالبون به من إنصاف ضريبي وإعفاء معاشاتهم من الضريبة على الدخل، على اعتبار أنهم أدوا واجباتهم الضريبية طوال مسارهم المهني، ويرفضون بشدة تضريب ما راكموه من مدخرات خلال تلك الفترة من نشاطهم. حيث صادقت لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين مساء يوم الإثنين 2 دجنبر 2024 بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم سنة 2025، ووافقت الحكومة على عدد من التعديلات، أبرزها إعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل على مرحلتين: تقليص مبلغ الضريبة بما قدره 50 في المائة ابتداء من يناير 2025 والنصف الثاني في ذات الشهر من عام 2026.
وحسب ما صرح به ذات الوزير المنتدب فوزي لقجع، يندرج هذا الإجراء في إطار الإصلاحات الجبائية التي شرعت فيها الحكومة منذ السنة الماضية. وقد خلف عدة ردود فعل متباينة في أوساط المتقاعدين وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، حيث هناك من وصفه بالهدية الحكومية التي من شأنها أن تبث الأمل في نفوس المتقاعدين، وهناك من اعتبرها تلك الحجرة الأولى في المياه الراكدة، في انتظار أن تتلوها خطوات أخرى أكثر جرأة وإنصافا لهذه الفئة الأكثر تضررا في المجتمع المغربي. وهناك من لم ير فيها سوى عملية “سحرية” لدر الرماد في العيون، مادام أن هناك آلاف المتقاعدين غير معنيين لكون معاشاتهم جد هزيلة ومعفية أصلا من الضريبة على الدخل.
ففي هذا السياق بادرت بعض النقابات إلى تثمين هذا الإجراء معتبرة أنه يساهم في تخفيف العبء على المتقاعدين، ويعكس استجابة جزئية لمطلب طويل الأمد، ويعد خطوة إيجابية نحو تحسين ظروف عيشهم. كما يرى عدد من الخبراء والباحثين في الشأن الاقتصادي أن التعديل الذي جاءت به فرق الأغلبية والمعارضة إثر مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025 يمس المادة 57 من المدونة العامة للضرائب، مستهدفا “الإعفاء الكلي للمعاشات والإيرادات العمرية المدفوعة في إطار أنظمة التقاعد الأساسي، باستثناء تلك المدفوعة في إطار أنظمة التقاعد التكميلي” سيكون له من دون شك أثر إيجابي في تعزيز القدرة الشرائية لهذه الفئة “المنسية”، بحكم أنها أكثر الفئات حاجة إلى مثل هذه الالتفاتة لمواجهة على الأقل ذلك النزر اليسير من مصاريف علاج بعض الأمراض المزمنة، خصوصا أنه ليس لديها تنويع مصادر الدخل ولا تتوفر على مداخيل أخرى على عكس الفئات الشبابية والنشطة.
وفي المقابل يستنكر الكثير من المتقاعدين ومعهم عدد من التنظيمات، الاستمرار في تجميد معاشات المتقاعدين لما يزيد عن ربع قرن، مما يفاقم وضعهم المعيشي ويضاعف معاناتهم من حيث تدهور قدرتهم الشرائية وجودة الرعاية الصحية. ويرون أن الإنصاف الحقيقي ليس فقط في إلغاء الضريبة على الدخل، بل كذلك في الرفع من قيمة معاشاتهم إلى ما لا يقل عن 2000 درهم شهريا، بما يمكنهم من مواجهة تكاليف الحياة اليومية، فضلا عن مراجعة التعويضات عن التطبيب والأدوية، وتمتيعهم بامتيازات أخرى في المؤسسات الاجتماعية، وتمكين الأرامل من الاستفادة الكاملة من معاشات الأزواج بعد الوفاة….
إننا إذ نبارك للحكومة هذه الخطوة غير المسبوقة التي طالما انتظرها المتقاعدون بكثير من الشوق، فإننا نطالب المسؤولين الحاليين والقادمين بمزيد من العمل الجاد والمسؤول في اتجاه إنصاف هذه الفئة من المواطنات والمواطنين ورد الاعتبار لها، من خلال الإقدام على خطوات أخرى أكثر جرأة تستجيب لانتظاراتهم وتحقق أحلامهم، اعترافا بما قدمت من خدمات جليلة في سبيل النهوض بأوضاع البلاد.

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *