الجمعة. فبراير 28th, 2025

السمك واللحم والرسالة الملكية الكريمة

رجع الصدى : يكتبها عبد الكريم حبراوي 

لكل حدث وقائعه وتجلياته، ولكل حدث تبعاته ونتائجه، كما لكل مستجد تحمله الأخبار من هنا أو هناك نسيج من الحديث يتردد، وعند هذا التردد يتولد صدى الخبر، فيكون رجع الصدى نتيجة لخبر الحدث…   

  لعل ما تم تداوله مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي في انطلاقته من مدينة مراكش وتحديدا بخصوص ثمن السردين أرخى ويرخي بظلاله على واقع المعيشة ببلادنا 

فالشاب الذي صرح بالثمن الزهيد لسمك السردين على مستوى البيع الأولي بأسواق الجملة داخل المراسي وما تبعته من تصريحات لبعض منتسبي مهنة بيع هذا النوع من السمك جعلت مواقع التواصل الاجتماعي وحديث الناس يوليها كبير الاهتمام، لدرجة خروج بعضهم من حرف ومهن أخرى يصرحون بأثمنة تناقض ما توجد عليه السوق من ارتفاعات في الأسعار، فكان الجزار وكان بائع الدجاج ويعلم الله من سيسير على خطاهم.

     ولكن، وأيا كانت الغايات والنوايا من وراء تلك التصريحات، وأيا كان من يقف وراءها إن وجد، فإن القاسم المشترك يسلط الضوء بجلاء على الدور الخبيث الذي يلعبه الوسطاء ما بين المنتج والمستهلك، لأن وجود سلسلة من الوسطاء ما بينهما تجعل منهم مضاربين لا يهمهم من ارتفاع الأسعار إلا ما سيحصلون عليه من نسب للأرباح، ولا يهمهم إنهاك القدرة الشرائية لأن هدفهم الواضح معلن وهو تحقيق أرباح ومراكمة ثروات على حساب المواطن البسيط.

    والامر لا يقف عند ثمن السمك واللحم والخضر والفواكه، بل يتعداه إلى كل مناحي المعاملات التجارية التي أضحت في غياب آليات لضبط هوامش الربح وآليات للمراقبة الزجرية تقض مضاجع المواطن وتسير بالبلاد نحو المجهول الذي لن يزيد حالة الحياة إلا تأزيما: فالفلاح ينتج الخضر والفواكه ويبيعها في الحقل دون أية وثائق مما يسهل على الوسطاء والمضاربين عملية رفع ثمن البضاعة، علما أن عدد هؤلاء الوسطاء يتزايد ما بين المنتج والمستهلك ويتضاعف وفي طيات ذلك يتزايد الثمن ويرتفع السعر غير الموثق والمضبوط من المصدر، مما يستوجب معه إحداث آلية لمعرفة السعر الأصلي عند عملية الشراء الأولى من المنتج في أفق ضبط هوامش الأرباح بنسب معقولة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز الأربعين في المئة وحتى لا تؤثر سلبا على المستهلك الذي يقبع في أسفل السلسلة ويعد المتضرر الأكبر. 

      فمثلا حينما تطالعنا وسائل الإعلام -وفق ما أعلنه مارك هارفي ساتون، الرئيس التنفيذي لمجلس مصدرين المواشي الأسترالي (ALEC)-بأن المغرب يستعد لاستيراد أغنام من غرب أستراليا، حسب اتفاقية شراء تصل إلى 100,000 رأس من الأغنام سنوياً، مع إمكانية زيادة هذا الرقم في المستقبل، وبأنه تم تحديد ثمن الشراء المتفق عليه بين الطرفين بـ 12 درهم مغربي للكيلوغرام الواحد ما يمثل سعرا معقولا سوف يساهم لا محالة في تخفيض أسعار اللحوم الحمراء في السوق المغربية مع الشرط الأساسي الذي يكمن في التزام الموردين بهامش الربح المعقول الذي يجب على الدولة أن تتدخل في تحديده وتثبيته بكل حزم وصرامة.

     وحينما يهيب جلالة الملك محمد السادس نصره الله في رسالته الكريمة إلى الشعب المغربي التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مساء يوم الأربعاء 26 فبراير 2025 إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة من منطلق الأمانة المنوطة بأمير المؤمنين والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبه في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”، فإن ذلك إلى جانب حرص جلالته على رفع المعاناة على مجمل الشعب المغربي، له دلالات قوية ورسائل واضحة حتى تستقر الأسعار ولتأخذ منحاها المعقول على مستوى السوق المحلية والحفاظ على القدرة الشرائية ضمانا للعيش الكريم في هذا الوطن العزيز.

 

  

 

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *