وفق ما كان يتمناه المغاربة عامة والفقراء وذوي الدخل المحدود خاصة، الذين اكتووا بنيران غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم، مما بات يزعجهم ويقلق راحتهم خلال السنوات الأخيرة، إلى الحد الذي أضر كثيرا بقدرتهم الشرائية وجعلهم يعيشون الحرمان في أبهى تجلياته، حتى أنه لم يعد بمقدورهم وضع أيديهم على عدد من المواد الغذائية وفي مقدمتها اللحوم والأسماك، التي بلغت أثمنتها أرقاما قياسية، فإن ملك البلاد محمد السادس لم يتأخر في الشعور بحجم معاناتهم، والتنفيس عن كربتهم وتخليصهم من شبح أضحية العيد لهذه السنة.
ذلك أنه وبينما كان المغاربة ينتظرون ظهور هلال الشهر الفضيل رمضان واضعين أيديهم على قلوبهم، ليس خوفا من ساعات الصيام اليومية الطويلة، بل مما يمكن أن تعرفه أسعار المواد الغذائية من ارتفاعات مفاجئة على أيدي الوسطاء والمضاربين، خاصة بعد حادث الشاب المراكشي بائع السمك المدعو عبد الإله والملقب ب”مول الحوت”، الذي أقدم عل تخفيض سعر السردين “سمك الفقراء” إلى أدنى المستويات 5 دراهم بدل 25 أو30 درهما كما يروج في الأسواق بمختلف المدن المغربية، كاشفا بذلك عن حقيقة المتلاعبين بالأسعار من “السفهاء”، الذين لم يعد من شيء يهمهم عدا الربح السريع…
فإذا بخبر مبهج ينزل بردا وسلاما على قلوبهم، عندما بدا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق مساء يوم الأربعاء 26 فبراير 2025 في نشرة الأخبار الرئيسية بالقناة الوطنية الأولى، يتلو الرسالة الملكية السامية التي يهيب من خلالها الملك محمد السادس، باعتباره أمير المؤمنين بالمغاربة عدم نحر أضحية العيد لهذه السنة، بسبب التراجع الكبير في أعداد المواشي، إثر موجة الجفاف الحاد التي لم تفتأ تضرب المغرب على مدى سبع سنوات متتالية، وما ترتب عن ذلك من صعوبات اقتصادية أدت إلى غلاء الأسعار، مبديا التزامه بذبح أضحية العيد نيابة عن الشعب المغربي من طنجة إلى لكويرة، سيرا على سنة جده المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، حين ذبح كبشين وقال: “هذا لنفسي، وهذا عن أمتي”، داعيا في ذات الوقت إلى الحفاظ على مظاهر الاحتفال الأخرى.
وبهذه المبادرة الإنسانية الراقية يكون الملك قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث أنه حسم النقاش العمومي حول إمكانية إلغاء شعيرة نحر أضحية العيد هذه السنة، الذي ظل سائدا بين المواطنين وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وأدخل الفرحة إلى القلوب وخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود، ورفع عنهم الحرج بعد أن كانوا يواجهون ثمن الخروف ومصاريف العيد إما ببيع بعض الأثاث المنزلي أو اللجوء إلى الاستدانة، ومن ثم الدخول في دوامة لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد. دون أن ننسى أنه بهذا القرار وضع حدا لاستنزاف ميزانية الدولة في استيراد الأغنام (500 درهم عن الخروف الواحد) دون أن ينعكس ذلك على المواطنين، والتصدي لأولئك “الشناقة” الذين لا يتورعون عن تحويل مثل هذه المناسبات إلى فرصة مواتية للكسب السريع والمريح على حساب جيوب البسطاء والمقهورين، ضاربين عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية، كما أنه ساهم أيضا في تراجع أسعار الأغنام والمواشي، مما سيكون له كبير الأثر على أسعار اللحوم الحمراء وإعادة الاعتبار لسلالة الأغنام المحلية التي أوشكت على الانقراض، جراء تعمد ذبح النعاج ضدا على القانون.
ففي رسالته السامية أكد جلالته حرصه الشديد على تمكين الشعب المغربي من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، واستحضاره لما يواجه البلاد من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية، كما لم يفته الإشارة إلى أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، وأن القيام بها في مثل هذه الظروف الصعبة من شأنه إلحاق الضرر بفئات كبيرة من أبناء الشعب ولاسيما ذوي الدخل المحدود. وتعد هذه المرة الأولى من نوعها في اتخاذه قرار الاستغناء عن شعيرة ذبح الأضاحي في عيد الأضحى لهذه السنة، بينما سبق لوالده الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه أن قام بالمثل في ثلاث مناسبات: خلال سنوات 1963، 1981 و1996 حيث أن ظروفا اقتصادية وبيئية قاسية، أحدثت ضغوطات قوية على القطاع الفلاحي والثروة الحيوانية، هي من كانت وراء اتخاذ هكذا قرارات استثنائية.
إننا إذ نشكر جلالة الملك محمد السادس وأمير المؤمنين، الذي تحدى المرض وأقدم على هذه المبادرة الإنسانية الجديدة، التي أثلجت صدور ملايين الأسر المغربية وأعادت إليهم الابتسامة المفقودة، بسبب غلاء الأسعار المتفاحش الذي ما فتئ يرهق كاهلهم وينهك جيوبهم، فإننا ندعو العلي القدير أن يعجل له بالشفاء، حتى يتمكن من الاستمرار في قيادة البلاد بحيويته المعهودة نحو المزيد من النماء والرخاء…