اسماعيل الحلوتي
كما عودنا فريق الرجاء العالمي وجميع عشاقه المنتشرين عبر سائر المدن المغربية من طنجة إلى الكويرة وخارج حدود الوطن، على صناعة أجمل الملاحم الرياضية في الإطاحة بأقوى الفرق الكروية بالبطولات والدوريات العربية والإفريقية، استطاعت النسور الخضر التحليق عاليا غير مبالية بحرارة الأجواء خلال ظهيرة يوم السبت 7 مارس 2020 بملعب لوبومباتشي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، والانقضاض على الغريم تيبي مازيمبي، مما أهلها إلى انتزاع بطاقة العبور لدور النصف نهائي من عصبة الأبطال الإفريقية…
ويعد فريق مازيمبي الكونغولي من أعتى الفرق الكبيرة والمتمرسة في القارة السمراء، العصية على الترويض وأكثرها عنادا وتتويجا بأحد عشرة لقبا قاريا، وهو كذلك أول فريق من خارج أوربا وأمريكا الجنوبية شارك في نهائي مونديال الأندية. لكن فريق الرجاء العالمي لا يقل عنه أهمية من حيث امتلاكه هو الآخر مجموعة من اللاعبين بإمكانيات فنية عالية، كانوا جاهزين ذهنيا وبدنيا وعاقدين العزم على تفجير كل ما لديهم من طاقات ومهارات من أجل تأكيد تفوقهم والعودة إلى أرض الوطن غانمين.
ترى كيف تأتى للنسور الخضر هذا التأهل الثمين من قلب إفريقيا بملعب مازيمبي ذي العشب الاصطناعي الصعب، وإفساد الفرحة على آلاف الجماهير الكونغولية التي لم تتوقف عن تحفيز عناصر فريقها، وخاصة المدرب بامفيل ميهايو الذي كان يمني النفس بقلب الطاولة على ضيفه جمال السلامي، إذ سبق له التصرح بأن فريقه قادر على صنع الحدث وتسجيل أكثر من هدفين على أرضه بعد استعادة مجموعة من اللاعبين كانوا غائبين في مباراة الذهاب؟
ويشار في هذا الصدد إلى أن الجولة الأولى انطلقت من أرضية المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء، الذي كان ممتلئا عن آخره بأعداد غفيرة من الجماهير الرائعة والمبهرة، حيث تمكن الفريق الأخضر مساء يوم الجمعة 28 فبراير 2020 من إلحاق الهزيمة بضيفه في مقابلة الذهاب برسم دور الربع من نهائي مسابقة عصبة الأبطال، بعد أن هز شباك الحارس “غبوهو” في مناسبتين بهدفين بديعين دون رد من خلال رأسيتين جد مركزتين، على يد كل من المهاجم بيل مالانغو في الدقيقة 6 من الشوط الأول ثم في الدقيقة 79 من الشوط الثاني على يد قائد الفريق وقلب الدفاع بدر بانون.
أما الجولة الثانية من دور الربع النهائي، فهي تلك التي أكد مدرب النسور الخضر جمال السلامي قبل إجرائها على أن المهمة لن تكون سهلة رغم تقدم فريقه بهدفين نظيفين أمام فريق قوي يملك من الوسائل ما يمكنه من تذويب الفارق على أرضه وأمام جمهوره، لكنها ليست بالمهمة المستحيلة أمام عناد النسور وثقتهم في أنفسهم وقدراتهم. وهكذا عرفت أطوار اللقاء هناك بملعب لوبومباشي ندية قوية، لتؤول نتيجته عند نهاية الوقت القانوني واٌلإضافي لفريق الغربان بهدف يتيم من توقيع اللاعب تشيبانجو في الدقيقة 49 من الشوط الثاني، لم يكن كافيا في تدارك التأخر الحاصل في الأهداف، ويسدل الستار على هذه المرحلة في انتظار المرحلة القادمة بدور النصف النهائي…
وكان واضحا منذ إطلاق الحكم الإثيوبي بلاك تسيما اللقاء صافرة البداية، أن عناصر النادي الرياضي البيضاوي جاءت مصرة على انتزاع جواز العبور إلى الدور الموالي، وكانت على أتم الوعي بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في إسعاد الجماهير الرياضية المغربية، حيث أنها نجحت كما هي عادتها في الحفاظ على تقدمها في نتيجة الذهاب وتقديم عرض كروي متميز ومقنع، مبرهنة بذلك على أن فريقها الأخضر فريق عالمي بامتياز، وعلى مستوى كبير من التركيز والإصرار على شق طريقه بثبات نحو الظفر بكأس عصبة الأبطال الرابعة …
فهنيئا للنسور الخضر على ما ظهرت به من مستوى كبير ومتميز، من شأنه إعادة كرة القدم المغربية إلى الواجهة وتلميع صورتها، التي ازداد بريقها وشهرة أنديتها الوطنية خلال السنوات الأخيرة. ويعود الفضل في هذا التأهل ليس فقط إلى المدرب الذي أجاد دراسة خصمه، ورسم خطة مضادة ومحكمة لإفشال مناوراته، بل وكذلك لجميع مكونات الفريق من أطر تقنية وعناصر الفريق، وخاصة تلك الشابة التي أبانت عن علو كعبها وأحقيتها في حمل القميص ضمن الكبار المخضرمين.
وختاما يمكن القول بأن فريق الرجاء العالمي أثبت مرة أخرى من خلال هذا الإنجاز الرائع، أنه فعلا ناد رياضي يتوفر على جميع مواصفات الأندية الكروية العملاقة وكتيبة متضامنة ومتجانسة منى اللاعبين المميزين، الذين يجمعون بين الانضباط التكتيكي وقوة الشباب وخبرة العناصر المخضرمة، وأنه من الفرق النادرة التي لا تؤمن بالمستحيل والقادرة على تحدي مختلف أشكال الصعاب وكسب الرهان في أقوى البطولات…