اسماعيل حلوتي
خلافا للمرات السابقة في السنوات الماضية، سيجد المغاربة أنفسهم خلال هذه السنة وفي غضون أقل من شهر، على موعد مع استحقاقات انتخابية أخرى مباشرة ومغايرة، لكونها تأتي في ظروف عصيبة تتميز بانتشار فيروس كورونا المستجد، وما تلاه من سلالات سريعة الانتشار وشديدة الخطورة، كما هو الشأن بالنسبة لمتحور “دلتا” الصعب الاحتواء. حيث أن المسجلين في اللوائح الانتخابية الذين يقدر عددهم حسب الإحصائيات الرسمية بأزيد من 15 مليون، مدعوون يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 لاختيار ممثليهم في الجماعات ومجلس النواب، مع ما يستلزم الوضع الوبائي المتدهور من حيطة وحذر واحترام الإجراءات الاحترازية والوقائية، حفاظا على صحة وسلامة الجميع.
وتكمن أهمية هذا الموعد الانتخابي أو الاستحقاق الوطني في كونه يشكل ليس فقط محطة سياسية تستأثر باهتمام الرأي العام وتحظى بتغطية إعلامية واسعة، بل لأنه يجسد أيضا منعطفا حاسما في تاريخ بلادنا، التي تتأهب إلى تنزيل النموذج التنموي الجديد وتعميم الحماية الاجتماعية تحت إشراف الملك محمد السادس، فضلا عن أنها مطالبة بمواجهة ما خلفه تفشي جائحة “كوفيد -19” وطفراته الأخيرة من تداعيات اجتماعية واقتصادية موجعة. مما يقتضي منا جميعا حسن اختيار الأفضل من البرامج الانتخابية القابلة للتطبيق والأنسب من المرشحين ذوي الكفاءة والحس الوطني الصادق، القادرين على تحمل المسؤولية ورفع تحديات التنمية، للارتقاء بالمغرب إلى مصاف البلدان المتقدمة.
صحيح أن هناك استياء عميقا من عمل المؤسسات المنتخبة والفاعلين السياسيين، الذين لم يكونوا طوال العقود الماضية في مستوى تحمل المسؤولية، من حيث الوفاء بوعودهم الانتخابية والاستجابة لانتظارات الشعب، والانكباب على ترجمة شعاراتهم وبرامجهم إلى حقائق ملموسة. حتى أن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري أبى هو الآخر لغيرته الوطنية إلا أن يدخل على الخط ويؤكد على ذلك قبل أيام، مرددا ما سبق لأعلى سلطة في البلاد نفسها أن وجهته للأحزاب السياسية من انتقادات لاذعة، محملا إياها مسؤولية فقدان شريحة واسعة من المغاربة الثقة في المسؤولين والمؤسسات، ونفورها من العمل السياسي وعزوفها عن المشاركة في الانتخابات، لفشل العديد من مدبري الشأن العام في الاضطلاع بمهامهم كاملة وتجاوزاتهم، كما أثبتت ذلك عدة تجارب سابقة انتهى بعضها بتفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحسوبية” في حق من ثبت تهاونهم، أو تورطهم في نهب وتبديد المال العام.
بيد أن هذا لا يعطي الحق لأي كان بأن يجعل من الممارسات المشينة لبعض منعدمي الضمير والمتهافتين على المناصب والمكاسب مبررا للتواري إلى الخلف وترك الحبل على الغارب، لأننا جميعا مسؤولون بشكل أو بآخر على ما يحدث من فساد واستهتار بالمسؤوليات، وعلينا أن ننخرط بقوة في معركة الإصلاح والتغيير، تحصين المكتسبات وانتزاع الحقوق المشروعة. ولن يتحقق ذلك إلا بالمشاركة الواسعة والفعالة في انتخابات شتنبر 2021، والإدلاء بأصواتنا بكل حرية من أجل قطع الطريق على الجبناء والانتهازيين والمفسدين ومحاربة كل أشكال الريع والمحسوبية…
فما لا ينبغي أن يغيب عن أذهان المتحاملين على الانتخابات وينادون بمقاطعتها كلما حلت مواسمها، أو الذين يفضلون البقاء في بيوتهم وتزجية أوقاتهم في المقاهي والحانات، بدعوى أن لا فرق بين فلان وعلان وأن لا فائدة ترجى من مشاركة لن تأتي سوى بمؤسسات مشلولة، معتبرين أن الكثيرين ممن يتعاطون السياسة اليوم، هم فقط فئة من الوصوليين الذين يجعلون من العمل السياسي مرقاة لبلوغ أهدافهم وتحقيق مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة. هو أن المشاركة في الانتخابات وحسن اختيار المرشح الأفضل، هما الوسيلتان الكفيلتان بفرز نخب جديدة من الشخصيات الوطنية ذات القدرات العالية في تحمل المسؤولية والمتميزة بالاستقامة ونكران الذات، إلى جانب دعم تلك التي أبانت في التجارب السابقة عن روح المواطنة الصادقة وتفانيها المستمر في العمل الجاد والدؤوب، بما يمكن أن يساهم في تشكيل جماعات ومؤسسات قوية ومنسجمة…
إذ علاوة على أن الانتخابات واجب وطني وحق من الحقوق السياسية المهمة، فهي أيضا من أبرز الدعائم الأساسية في بناء صرح الديمقراطية، التي يمكن بواسطتها اختيار ممثلي الشعب الحقيقيين داخل المؤسسات المنتخبة القادرين على صياغة القرارات الحاسمة واقتراح القوانين وتجويدها، سواء في الانتخابات الجماعية أو التشريعية. وفي هذا الإطار تنص المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: – لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية. – ولكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده. – وأن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة وبالتصويت السري.
إن تخلفنا عن الموعد الانتخابي القادم، لن يعمل سوى على إتاحة الفرصة للمفسدين وسماسرة الانتخابات في الهيمنة على النتائج، ومن ثم تتواصل مآسينا وتتعمق جراحنا. فلا يعقل أن نستمر في إدارة ظهورنا للعمليات الانتخابية، وننتظر منها أن تأتينا بمجالس ومؤسسات متجانسة وفاعلة. إذ لا مناص من توسيع دائرة المشاركة والإسهام في اختيار من يمثل طموحاتنا ويسهر على تحقيق آمالنا وتطلعاتنا، حتى لا نجد أنفسنا مرة أخرى نلعن حظنا التعيس الذي نكون ساهمنا في صناعته باستخفافنا أو سوء اختياراتنا، ونهاجم ضعف الحكومة التي لم نشارك في انتقاء مكوناتها. ثم ماذا جنينا من عنادنا غير المبرر، وتمادينا في العزوف عن الانتخابات ومقاطعتها طوال كل هذه السنوات الماضية؟
اسماعيل الحلوتي