عقلانية الحرب الاوكرانية ( عسكريا. اقتصاديا. طاقويا. ماليا. سياسيا ) و تداعياتها على المحور و الحلفاء مقابل الحلف و الادوات .
بقلم ابو ايوب .
بعيدا عن ببغائية قنوات الاعلام العربية ( الجزيرة مثال) و الدولية ( كفرانس 24 مثال ) لا سيما تلك المنحازة كثيرا و الناطقة باسم التوجهات الغربية في الازمة الاوكرانية ، نستعرض اليوم في مقالنا هذا قراءة من صنف مغاير لما يختزنه ما بين سطور امهات الاخبار المتداولة على الصعيد الدولي ، و هي اخبار في مجملها تتحاشى التطرق الى المأزق الحالي الذي تعيشه الدول الاوروبية و امريكا و الغرب عموما .
* رغم تداعيات الحرب الاوكرانية و مضاعفات العقوبات الغربية على روسيا ، لا زالت الاخيرة تؤمن بعضا من احتياجات اوروبا من النفط و الغاز الروسي ، لكن المستجد الطارئ الجديد الذي لم يتوقعه الغرب عموما ، اشتراط روسيا تأدية الفواتير بالروبل بدل الدولار و اليورو ، في الوقت الذي عرفت أسواق الطاقة ارتفاعا في اسعار النفط و الغاز . لذا ليس من المستغرب و المستبعد ان نتعايش مع طوابير اوروبية بالأساس لم نألفها من قبل أمام البنك المركزي الروسي لشراء الروبل قصد تسديد الفواتير النفطية و الغازية .
* الحرب الاوكرانية لا سيما الخضراء منها سيتولد عنها بالضرورة ازمة غذاء عالمية ، اي بمعنى ، روسيا اول منتج و مصدر للقمح تليها اوكرانيا المتقطعة الاوصال التي رفضها الحلف الاطلسي و الاتحاد الأوروبي على حد سواء من بوابة الانظمام ، بالتالي يمكن الجزم ان الدول الاكثر تضررا من ازمة الغذاء هي دول عربية افريقية بامتياز ( مصر تستورد حوالي 18 مليون طن من القمح من روسيا و اوكرانيا. المغرب يستورد أكثر من 10 ملايين طن .الجزائر تستورد حوالي 12 مليون طن و قد أمنت مخزونها الاستراتيجي لمدة عام ) ، بالتالي هناك بوادر مجاعة بافريقيا في حال استمرت الحرب الاوكرانية ، و ما سيتولد عن الازمة من هجرة نزوح جماعي نحو الشمال ( اوروبا) لينضاف الى اكثر من 2 مليون لاجئ و فار اوكراني من اثون الحرب( اوروبا المتضررة الاولى) ، و لا مفر لهذه الأخيرة من الانصياع لمشيئة الدب الروسي .
* لتخفيف الضغط الطاقوي الروسي على اوروبا و الغرب عموما ، شهدت الايام الماضية زيارات لمسؤولين غربيين على راسهم نائبة وزير الخارجية الامريكية للجزائر الحليف التقليدي لروسيا ، و قبلها رئيس الحكومة الايطالية و ليس اخرهم وزير خارجية البرتغال الذي يقوم في هذه الاثناء بزيارة رسمية للجارة الشرقية ، العنوان الابرز للزيارات ، الغاز ثم الغاز و لا شيئ غير الغاز الجزائري لتعويض نقص الامدادات في حالة قطع الغاز الروسي عن اوروبا، بالتالي هذه الزيارات كان الهدف من ورائها اعادة العمل بانبوب الغاز المغاربي الذي يمر عبر المغرب نحو اسبانيا و البرتغال .
* الدول الاوروبية اليوم وجدت نفسها بين كفي كماشة في غياب بديل عن الغاز الروسي و الجزائري ، فقطر او امريكا ليس باستطاعتهما تأمين احتياجات اوروبا من الغاز ، و حتى ان امكن و هذا امر جد مستبعد فبأسعار مضاعفة و تكلفة عالية لا قبل لاوروبا بتحملها ، ازمة غازية تتولد عنها بالضرورة أخرى كهربائية و ما قد ينتج عنها من توقف معامل و اغلاق مصانع و تشريد يد عاملة و بطالة ، لا سيما و ان اقتصاديات اوروبا لم تتعافى بعد من تداعيات و مخلفات كورونا .
* الجزائر الحليف التقليدي الاستراتيجي لروسيا تخطط اليوم لمشروع نقل الغاز النيجيري نحو اوروبا ( اتفاق نيامي عاصمة النيجر ) عبر انبوب الجزائر تونس ايطاليا ، و هو الانبوب الذي راهنت عليه اسبانيا كثيرا ليمر عبرها نحو اوروبا ، لكن الازمة الحالية بينها و الجزائر على اثر موقف بيدرو سانشيز بشأن الصحراء وأد حلمها ، لتصبح وجهة الانبوب ايطاليا التي عبرت صراحة عن امتناعها و رفضها مجاراة المقاربة الامريكية الاوروبية في مواجهة روسيا .
* تمدد المحور و الحلفاء على حساب تبدد الحلف و الادوات اصبح اليوم حقيقة لا غبار عليها ، استهداف مقر الموساد بأربيل بكردستان العراق بصواريخ دقيقة ايرانية/ اختراق حواسيب كل من رئيس الجهاز و رئيس الوزراء و المؤسسات الاسرائيلية و المتهم ايران/ حصار كييف العاصمة الاوكرانية و استهداف قاعدة عسكرية قرب حدودها مع بولونيا/استهداف الحوثيين للشريان الاقتصادي الحيوي للسعودية و الامارات ( انابيب النفط لشركة ارامكو بالرياض مثال ) .
* الرسائل المراد ايصالها لمن يعنيهم الامر من خلال استهداف مصافي جدة على مرمى حجر من الحدود الجنوبية الشرقية لاسرائيل ( المراكز الحساسة الاستراتيجية الاسرائيلية اصبحت في مرمى المسيرات و الصواريخ اليمنية لا سيما مجمع الأمونياك بميناء ايلات على البحر الاحمر )/ اجلاء امريكا لجنودها من شمال سوريا/ استهداف القواعد العسكرية الامريكية بالعراق/ تهديد الصين بغزو تايوان/ اصطفاف الهند و باكستان و امتناع تركيا عن المشاركة في العقوبات ، أمثلة من اخرى كثيرة تؤكد تراخي قبضة القوة الامريكية في مواجهة الهجمة الروسية .
* خلاصة الوضع الدولي الحالي فرض واقع قد يقلب موازين القوى لصالح تمدد المحور و الحلفاء على حساب تبدد الحلف و الادوات ، فروسيا و ايران تكفلت بالجانب العسكري في مواجهة امريكا ، فيما الصين اقتصر دورها على الجانب الاقتصادي مع الأخذ في الحسبان تهديدها بغزو تايوان و طرد امريكا من بحر الصين الجنوبي ، بالتالي اكتمال أضلاع ميلاد عالم متعدد الاقطاب عنوانه الابرز نهاية سيطرة الدولار و وأد لاتفاقية بروتون وودز ، بالتالي الاعلان عن سيطرة اليوان الذهبي الصيني في المعاملات التجارية الدولية .