الخميس. نوفمبر 21st, 2024

فضيحة “طاجين الدود” بشلالات أوزود!

اسماعيل الحلوتي

كثيرون هم اليوم أولئك التجار والجزارون وأرباب المقاهي والمطاعم سواء منها الشعبية أو العصرية الذين تنعدم لديهم الضمائر ويفتقرون إلى الوازع الديني والأخلاقي في سلوكهم ومعاملاتهم اليومية. حيث أنهم سريعو الانصياع لما يزين لهم الشيطان من سوء الأعمال والتهافت على الربح السريع وغير المشروع، إذ أفقدهم الجشع نور البصر والبصيرة، فأصبحوا لا يقيمون أدنى وزن لما يمكن أن يترتب من أضرار بالغة الخطورة على صحة وسلامة الزبناء، عبر ما يقدمون لهم من مشروبات ووجبات فاسدة…
وفي هذا الإطار تندرج فضيحة ما بات يعرف إعلاميا ب”طاجين الدود” التي تفجرت في أحد المطاعم الشعبية ب”شلالات أوزود” التابعة لإقليم أزيلال يوم الأربعاء 11 ماي 2022. وهي الفضيحة التي هزت أحداثها الرأي العام الوطني، وبلغت أصداؤها المزلزلة قبة البرلمان، من خلال سؤال كتابي وجهه أحد ممثلي الأمة المحسوبين على فرق المعارضة البرلمانية إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، حول مدى نجاعة الآليات المعتمدة من قبل المصالح المختصة في مراقبة جودة الأطعمة، التي تقدم للمواطنات والمواطنين المغاربة والأجانب على حد سواء في مختلف المطاعم المنتشرة عبر التراب الوطني…
وكلمة “أوزود” تعني باللغة الأمازيغية طاحونة الزيتون أو طاحونة الحبوب، أما الرحى الموجودة في أعلى الشلال التي تدور بقوة تدفق الماء من الأعلى إلى الأسفل، فيطلق عليها اسم “أزرك نوامان” أي طاحونة الماء. و”شلالات أوزود” البالغ علوها قرابة 110 مترا، هي من بين أشهر المواقع السياحية المغربية ذات المناظر الساحرة والأكثر زيارة في المنطقة، توجد بالقرب من مجموعة وديان خضراء، طواحين صغير قديمة، بساتين وينابيع… وتقع هذه المعالم الجميلة والمظللة قممها بأشجار الزيتون على بعد حوالي 150 كيلو متر من المنطقة الشمالية لمدينة النخيل مراكش، وزهاء 80 كيلو متر من مدينة بني ملال…
وبالعودة إلى أصل الواقعة المقززة والصادمة التي أثارت ضجة عارمة وخلفت استياء عميقا في أوساط المغاربة الغيورين على وطنهم، خاصة ونحن على مشارف حلول فصل الصيف الذي تزدهر فيه السياحة الداخلية بوجه خاص وتنتعش خلاله الأنشطة الاقتصادية التي ظلت تعاني من حالة الركود والجمود على مدى سنتين متتاليتين جراء تفشي جائحة “كوفيد -19″، نجد أن الأمر يتعلق بما حدث لمواطن مغربي زار المنطقة رفقة زوجته، حيث أنهما وإثر تناولهما القسط الأوفر من وجبة الغذاء المعدة في طاجين من الطين، اكتشفا فجأة أن قطع اللحم المكونة للوجبة الغذائية تحتوي على ديدان صغيرة، فأصيبا بصدمة قوية.
بيد أنه بعيدا عن أي رد فعل متسرع أو تشنج أو انفعال من شأنه أن يمنح صاحب المطعم فرصة الإنكار أو محاولة إتلاف الدليل والإفلات من العقاب، اتفق الزوجان فيما بينهما على ضبط النفس والتزام الهدوء إلى أقصى حد ممكن. وبنوع من الذكاء وبرودة الدم قاما بتصوير ذلك المشهد المقرف الذي يبعث على التقزز والغثيان بواسطة كاميرا هاتفهما النقال، ومن ثم سارعا إلى نشر مقطع الفيديو الذي لا تتجاوز مدته دقيقتين على مواقع التواصل الاجتماعي. وبعده توجها مباشرة إلى مركز الدرك الملكي في الناحية، وهناك وضعا شكاية في الموضوع ضد صاحب المطعم، الذي يعرض حياة الزبناء للتسمم.
ثم لم تلبث مصالح الأمن الوطني في المنطقة أن دخلت هي الأخرى على الخط في تفاعل سريع مع محتوى مقطع الفيديو الذي انتشر بسرعة البرق في الفضاء الأزرق، وعلى الفور تم الأمر بإغلاق المطعم إلى حين إنهاء التحقيق الذي فتح حول ملابسات القضية لتحديد المسؤولية وترتيب الجزاءات الضرورية. فما كان من النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية في إقليم أزيلال إلا أن قررت يوم الإثنين 16 ماي 2022 متابعة رب المطعم في حالة اعتقال، بعد أن جرى الاستماع إليه وتوجيه التهمة له ب”عرض مواد فاسدة للاستهلاك ونقل لحوم في ظروف غير صحية”
فأمام هذه الفضيحة يتساءل عديد المغاربة إن كان قدرهم أن يتكالب عليهم غلاء الأسعار وارتفاع حالات الاعتداء على صحتهم، جراء استشراء مظاهر الفساد في غياب المراقبة الصارمة وربط المسؤولية بالمحاسبة؟ ثم إلى متى سيتواصل مسلسل ترويج المواد الفاسدة والمنتهية الصلاحية في العربات المتنقلة وداخل الأسواق والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، والعبث بصحة وسلامة المواطنين وتعريض حياتهم للأضرار والأخطار، دون الاكتراث بتعالي أصوات الاستنكار والتنديد بما يحدث من تجاوزات على الصفحات الأولى من مختلف الصحف الوطنية والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، واستمرار غياب الإجراءات الاحترازية الاستباقية والوقائية أو العقوبات الزجرية؟
وفي انتظار أن تقول العدالة كلمتها الفصل بكل نزاهة وموضوعية، نتمنى صادقين وفي جميع الحالات ألا تكون فضيحة “طاجين الدود” ب”شلالات أوزود” نموذجا لما يجري في بعض المطاعم الأخرى، حتى لا تتضرر صورة مناطقنا السياحية بمختلف الأقاليم المغربية. إذ أننا نعلم جميعا ما للسياحة من دور طلائعي في التنمية المستدامة، باعتبارها مصدرا من بين أهم مصادر الدخل وإنعاش الاقتصاد الوطني، وأن تشجيعها بات من أبرز المهام الوطنية للدولة ولجميع فعاليات المجتمع المدني. مما يتطلب من السلطات المعنية السهر على تشديد المراقبة على الأسعار وجودة المنتوجات في المطاعم ومحلات الوجبات السريعة ومدى احترامها لمعايير النظافة والشروط الصحية من أجل حماية المستهلك، وأن يحرص المواطن بدوره على التبليغ بكل الممارسات المسيئة لسمعة الوطن والمضرة بصحة وسلامة المواطن…

Related Post

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *