اثر التقارير الاعلامية الدولية التي تحدثت عن دخول الرياض على خط الخلاف الديبلوماسي بين المغرب والجزائر، نفى وزير الخارجية الجزائري وجود أي وساطة، وأضاف:” لاوجود لأي وساطة بين الجزائر والمغرب، لاأمس ولا اليوم ولاغدا ان شاء الله”.
ان هذا الرد لم يكن مفاجئا ، لأن من يعرف طبيعة النظام الجزائري وشخصية حاكميه لن يستغرب لمثل هذه القرارات..!! كما أن من يعرف مبادئ المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية سيتوقع مثل هذه الردود من طرف النظام الجزائري الذي لايستند فيه اتخاذ القرارات الى أي أسس سياسية أو استراتيجية، بقدر ما يعكس طبيعة التفكير ونوعية السلوك السياسي لهذا النظام الذي يجعل من عداوة المغرب عقيدة ثابتة.
هذا النظام الذي يتخذ القرارات بانفعالية زائدة وحرارة ايديولوجية مفرطة تبتعد عن أصول وأدبيات الخطاب الديبلوماسي، حيث تنعدم فيه المؤسسات السياسية الديمقراطية ويتم تغييب الصوت الأكاديمي المستقل النابع من مراكز الدراسات الاستراتيجية التي يمكن أن تطرح المقترحات وتناقش الحلول وتتخذ القرارات بشكل علمي مدروس..
ان المناخ الذي يجري فيه اتخاذ القرارات لدى حكام الجزائر يستند الى النرجسية الحادة والانفعال الطائش الذي يسيطر على مجموع الفاعلين في النظام الجزائري الحاكم. انهم بقايا الاستعمار الفرنسي الذين مازالوا يعيشون في مرحلة زمنية متجاوزة، انهم بعيدون عن مفهوم الدولة وعن مصالح الشعب الجزائري المغلوب على أمره. انهم يشعرون أنهم ظلوا في الحكم لعقود طويلة حيث أهدروا ثروات طائلة، ولهذا فهم يتخذون قرارات عدائية ضد المغرب لتعليق فشلهم الدريع في كل الميادين، ويسعون بمثل هذه القرارات الهروب الى الأمام. كما أن طبيعة صناعة القرار في الجزائر تغرف من سياسة غير واقعية، وتتبنى أفكارا تنهل من تمركز مفرط نحو الذات يجعلها تعاني هذيان الزعامة الاقليمية الوهمية..انهم في حالة افلاس واحباط شديدين وعوض أن يفكروا في ايجاد الحلول بواقعية وبراغماتية وأن يوفروا الحاجيات الأساسية للشعب الشقيق مثل الخبز والماء والزيت والحليب..نجدهم متلهفين لتبدير أموال الأشقاء في شراء سلاح الخردة وفي مناورات دونكيشوطية. انهم يقامرون بكل شئ من أجل لاشئ..!! مستندين في ذلك على التضليل الاعلامي وقلب الحقائق من أجل توجيه الرأي العام.
ان القرار العام في النظام الجزائري أصبح شأن أشخاص، يعكس ميولاتهم وتصوراتهم ويخدم رهاناتهم، وهذا يدعونا الى ضرورة فهم واستيعاب القواعد الناظمة للفعل والسلوك السياسي، علما أن الاتجاه الادراكي في علم السياسة يذهب الى اعتبار أن دراسة المحيط العام، تكون آلية ووسيلة لفهم الظواهر الاجتماعية والسياسية على حد سواء، حيث يمكننا طرح بعض الأسئلة من قبيل: من يحكم؟ من يقرر؟من يؤثر في صنع القرار؟ وماهي طبيعة الدولة؟ وماهو مناط وجودها؟ ان هذه الأسئلة التي تنتمي الى حقل علم السياسة، تساعدنا على الغوص في فهم بناء النظام السياسي الجزائري وفي كيفية صنع القرارات فيه، وفي طبيعة الاستراتيجيات التي ارتبط بها، والرهانات التي حكمته وحددت معالمه، وهو مايسمح لنا بمعرفة كيف سمحت شرعية الجنرالات دون غيرهم بلعب أدوار سياسية مصيرية في التاريخ السياسي بالجزائر.اننا أمام نظام يبرر النزوع نحو” الاطلاقية السياسة” ” l’absolutisme politique” وشخصانية اتخاذ القرار، زيادة على ذلك شكلت البنيات الحكومية والتشريعية واجهة” مؤسساتية” لشرعنة وتدبير العلاقات الشخصانية التي ميزت علاقة السلطة السياسية والقرار العام داخل نسق النظام العسكري الجزائري الحاكم، لتبقى السياسة العامة مجالا محفوظا في حوزة ال”جنرالات”.
السيد الوزير ، وأنتم تطلقون الكلام على عواهنه ، كان عليكم أن تنصتوا الى نبض التاريخ وأن تستحضروا أن المشروع المغاربي سينتصر دون شك على النزوات الفردية وأن ” المغاربية” maghrébinité ” ستتحول من مجرد شعار الى مشروع مغاربي يفضي الى تعزيز التنمية والديمقراطية، وأن الرهان المغاربي هو رهان سياسي ومجتمعي وهو حتما سينتصر للقيم الديمقراطية ولدولة المؤسسات وسيبتعد عن المزاجية والشخصنة وأوهام الزعامة الاقليمية، انه رهان يحكمه وعي تاريخي وحضاري واستشراف مستقبلي، يستجيب الى المغرب العميق بتعبير محمد أركون، والذي يستمد مشروعيته ليس من عنصر الجغرافيا فحسب، بل من انتماءه الى بنية اجتماعية واثنية مماثلة.ان المغرب الدولة الامة السيد الوزير، من ثوابته الراسخة الايمان الشديد بالفضاء المغاربي الموحد والدفاع عن الهوية المغاربية والتي هي رمز الوحدة المغاربية خدمة للأجيال المقبلة…
وفي الأخير أستسمحكم السيد الوزير وأنتم في غمرة انفعالكم أن أدعوكم الى قراءة مقطع جميل للشاعر سميح القاسم : حتى ولو ذهبنا كلنا، حتى ولوذهبنا لغير رجعة، هنالك أطفال لم يولدوا بعد سيمرون من هذا المكان….