اسماعيل الحلوتي
كلما تجدد الحديث عن إصلاح منظومة التربية والتكوين وأبدى القائمون على الشأن التربوي ببلادنا استعدادهم وعزمهم الأكيدين على إحداث ثورة تربوية في اتجاه النهوض بأوضاع المدرسة المغربية، واعتقد الجميع أننا صرنا قاب قوسين أو أدنى من الخروج من نفق التخبط والارتجال والتخلف، إلا وطفت على سطح الأحداث بعض التجاوزات والانفلاتات الأخلاقية التي تنغص على الناس فرحتهم، لتعمق بداخلنا الشعور بالإحباط وتبث بذور اليأس في النفوس…
إذ أنه في الوقت الذي أطلقت فيه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة منصة رقمية بهدف إجراء مشاورات واسعة، عبر استمارة تقنية موجهة إلى جميع المواطنات والمواطنين وفعاليات المجتمع المدني والأطر التربوية، سعيا منها إلى إشراك أكبر عدد ممكن منهم في إغناء النقاش بمقترحاتهم حول السبل الكفيلة بالرفع من أداء المدرسة العمومية وتجويد خدماتها، فإذا بالرأي العام الوطني يهتز يوم الأربعاء 8 يونيو 2022 على إثر واقعة اعتداء إجرامي خطير تعرض له أحد أساتذة التعليم الأساسي إبان انهماكه في إنجاز عمله من قبل أحد الآباء، الذي أبى إلا أن يضرب عرض الحائط بحرمة المؤسسة ويقتحمها عبر سورها لتعنيف من يكرس وقته في تعليم ابنته أمام مرأى ومسمع من زميلاتها، مخلفا بذلك حالة من الهلع داخل حجرة الدرس.
وهو الفعل المتهور والهمجي الذي فضلا عن كونه دفع بالوزير الوصي على المنظومة التعليمية شكيب بنموسى إلى استنكاره والتنديد به، رافضا بقوة أن تطال مثل هذه الاعتداءات الإجرامية الأساتذة خلال مزاولتهم مهامهم داخل فصولهم الدراسية وبين جدران المؤسسات التعليمية أمام المتعلمات والمتعلمين، أدى كذلك بالمديرية الإقليمية بإقليم برشيد التي تحرص بشدة كغيرها من المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في كافة ربوع المملكة المغربية على محاولة حماية حرمة المؤسسات التعليمية وجميع مرتاديها من أساتذة ومتعلمين وغيرهم، إلى الدخول على الخط وتنصيب نفسها مطالبة بالحق المدني، ومتابعة المعتدي الذي تم اعتقاله على الفور من طرف عناصر الدرك الملكي…
فالذي يؤسف له حقا هو أنه ما كاد المواطنون يستبشرون خيرا للتراجع الملحوظ في موجة اعتداءات التلاميذ على أساتذتهم داخل حجرات الدرس وخلف أسوار المؤسسات التعليمية، والتي أوشك أن يتوقف معها ذلك السيل المتواتر من أشرطة الفيديو التي ظلت توثق لذلك الكم من الحقد الأعمى على المدرسين في شبكات التواصل الاجتماعي، حتى أتى الدور على الآباء والأولياء الذين يفترض فيهم ومن أجل مصلحة بناتهم وأبنائهم وضع اليد في اليد مع الأساتذة وليس الاعتداء عليهم. إذ أننا مازلنا نذكر ذلك القدر الهائل من بلاغات مديريات الأمن الوطني، التي كثيرا ما أفادتنا مصالحها بما قامت به من أبحاث وتحريات فور تلقيها إشعارات بأحداث العنف من هنا وهناك، ولاسيما منها تلك التي يتعرض إليها المدرسون داخل “محاربهم” وما أسفرت عنه من توقيفات للمعتدين، استدعاء الشهود وعرض الملفات على أنظار العدالة…
ويتذكر معنا الكثيرون من أبناء هذا الوطن تلك المناسبات التي عقد فيها البرلمان بغرفتيه ضمن جلسات الأسئلة الشفوية الأسبوعية، جلسات خاصة بمناقشة ظاهرة العنف المدرسي والاعتداءات المتكررة على الأساتذة أثناء قيامهم بواجباتهم في المؤسسات التعليمية. وهي اعتداءات تمس بصورة بلدنا وتسيء إلى واقعنا التعليمي، حيث يعتبرها عديد الملاحظين والمتتبعين للشأن التربوي بمثابة ناقوس خطر، ليس لأنها تنم عن انحدار القيم في مدارسنا وحسب، بل لكونها تشكل أيضا إعلانا صريحا وصارخا عن فشل المنظومة التعليمية في تحقيق أهدافها التربوية، وفشل السياسات التعليمية المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة. مما يستدعي مساءلة صناع القرار التعليمي والتربوي، ومدى نجاعة الرفع من قيمة المدرسة العمومية والعاملين فيها من مربين ومعلمين، إذ يعزو بعض البرلمانيين تفشي حالات العنف بشتى أنواعه إلى تراجع السلوك المدني لدى التلاميذ داخل وخارج المدرسة، وتردي علاقتها مع محيطها المتعدد.
فواقعة مدرسة “النجمة” الابتدائية بمنطقة الدروة، التي انهال فيها أب “هائج” بالضرب المبرح على أستاذ ابنته وهو في آخر مراحل مساره المهني، دون أن تأخذه الرحمة بتقدمه في السن ولا بما يصدر عن تلامذته من صراخ لفرط ما انتابهم من رعب، وأخفقت فيها كل محاولات الحد من اندفاع الأب المعتدي من قبل اطر المدرسة، كما يظهر ذلك شريط الفيديو الذي أثار استياء عميقا في النفوس. هي من الوقائع التي تعيد إلى الواجهة ظاهرة العنف المدرسي التي كانت تشهدها مؤسساتنا التعليمية قبل تفشي جائحة “كوفيد -19″، سواء تعلق الأمر بتعنيف التلاميذ من لدن أساتذتهم أو العكس، وهو الذي كان ومازال سائدا بقوة أو تهجم بعض الآباء والأمهات على المدارس والعاملين بها. وهي مظاهر ما انفك الكثيرون يشجبونها ويطالبون بضرورة احترام حرمة المؤسسات التعليمية وتوقير الأساتذة وعدم المس بسلامة التلاميذ…
وحتى لو افترضنا أن الأستاذ هو من استفز والد التلميذة من خلال إلحاق الأذى بها أو الإساءة إليها أمام زميلاتها، فإنه لا يجوز بأي حال لهذا الأب وغيره من المتهورين، القيام بمثل هذا التصرف الأرعن ما دامت هناك مساطر قانونية يمكن اللجوء إليها. ذلك أن العنف بمختلف أشكاله ومهما تعددت أسبابه، يعتبر ظاهرة اجتماعية مرفوضة لما له من انعكاسات نفسية واجتماعية واقتصادية، مما يستدعي تضافر جهود الجميع في اتجاه تحصين المجتمع وخاصة مؤسساتنا التعليمية من عواقبه الوخيمة.