اسماعيل الحلوتي
هناك شيء ما بات خلال هذه السنوات الأخيرة عصيا على الفهم في حياتنا العامة، حيث صار المواطن المغربي عاجزا عن تفسير ما يجري حوله من مظاهر الظلم والقهر والتمييز بين الصدق والكذب، اختلطت عليه الأمور وفقد الثقة في بعض المؤسسات الوطنية والنخب السياسية، جراء تكاثر الوعود التي غالبا ما تظل حبيسة الرفوف أو تتلاشى في الهواء بمجرد الإعلان عن نتائج الاستحقاقات الانتخابية واقتسام “الغنيمة” بين قادة الأحزاب الفائزة…
ذلك أن حكومة عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، التي أبانت في السنة الأولى من عمر ولايتها التشريعية عن ضعف فادح في تدبير الشأن العام، وعدم القدرة على التواصل الفعال مع المواطنات والمواطنين، وترجمة التزاماتها إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع، والتصدي لمعضلة الفساد والريع ومواجهة موجة الغلاء الفاحش التي ضربت القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، بفعل الارتفاع المطرد في أسعار المحروقات وانعكاسها على باقي المواد الأساسية واسعة الاستهلاك…
هي نفسها التي تدعي اليوم في سياق يتميز بتداعيات جائحة “كوفيد -19” وغلاء الأسعار، من خلال المنشور الصادر عن رئيسها بخصوص الإعداد لمشروع قانون المالية برسم سنة 2023، انها عاقدة العزم على تخصيص دعم مباشر للأسر الفقيرة من أجل اقتناء السكن ابتداء من السنة القادمة. وستعتمد في تحقيق هذا المسعى على استبدال النفقات الضريبية بدعم مباشر للأسر، بعدما كانت الدولة تعمل في السابق على دعم اقتناء السكن بمنح تحفيزات للمنعشين العقاريين، عبر إعفاءات ضريبية ظلت دائما محط انتقادات تقارير وطنية ودولية، وأكد ذات المنشور على أن “الولوج إلى السكن اللائق يعتبر مظهرا من مظاهر العيش الكريم” كما لم تفته الإشارة إلى عدد من الأولويات التي تضعها الحكومة نصب عينيها في السنة القادمة، ومنها الحرص على تكريس مبدأ الدولة الاجتماعية، النهوض بالاقتصاد الوطني، تعميم التعويضات العائلية، التعويض عن فقدان الشغل وغيره…
إذ كيف يمكن للمواطن أن يصدق منشور الحكومة، وهي التي لم تشرع بعد في تجسيد وعودها والتزاماتها على أرض الواقع؟ فلا شيء تحقق باستثناء بعض البرامج الباهتة من قبيل برنامج “أوراش” الذي يمتد بين سنتي 2022 و2023 وجاء بدعوى الحد من معضلة البطالة من خلال خلق 250 ألف منصب شغل في إطار عقود للأشخاص الذين فقدوا عملهم خلال جائحة كورونا، ومعهم كذلك الذين يجدون صعوبة كبيرة في ولوج ميدان الشغل دون اشتراط المؤهلات. وهو البرنامج الذي نال حظا وافرا من الانتقادات الحادة، باعتباره مشروعا مقيدا بفترة زمنية محددة، ولا يمكن له الإسهام في حل إشكالية البطالة وفتح سوق الشغل أمام الشباب العاطل بصفة مستمرة ودائمة.
وإلا فأين نحن مما تعهد به التحالف الحكومي الثلاثي من إصلاحات كبرى ومشاريع تنموية وخلق مليون فرصة عمل مناسبة خلال السنوات الخمس، ورفع رواتب نساء ورجال التعليم إلى 7500 درهم عند بداية مسارهم المهني عوض 5000 درهم فقط، الزيادة في أجور العاملين بقطاع الصحة، إحداث نظام التكفل المباشر من أجل تقليص نفقات العلاج التي يتحملها المرضى ونظام طب الأسرة، ومدرسة عمومية تتيح تكافؤ الفرص، وغيرها من الوعود الكاذبة التي لم تلبث أصداؤها أن تلاشت في الهواء مباشرة بعد ظهور نتائج انتخابات يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021؟
فما يهم المغاربة، هو صيانة الكرامة واحترام حقوق الإنسان، وفق ما تنص عليه المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق”. وتتمثل كرامة المواطن في تلبية حاجياته الطبيعية والضرورية من طعام وشراب وصحة وتعليم وشغل وسكن لائق وحرية التفكير والتعبير والتدين، لأن الكرامة هي جوهر إنسانية الإنسان وأصل وجوده، ولا يحق لأي كان المساس بقدسيتها وانتهاك حقوقه، وفي ذلك قال جل من قائل في سورة الإسراء، الآية: 7O: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”، وهكذا يتضح أن الله سبحانه وتعالى كرم ذرية آدم بجميع أشكال الإكرام إذ كرمهم بالعلم ونور العقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وسخر لهم جميع ما في الكون من دواب في البر وسفن في البحر لحملهم، ورزقهم من طيبات الأكل والشراب، وفضلهم على كثير من المخلوقات تفضيلا عظيما.
والمغرب لا ينبغي أن يكون إلا كما يريد له عاهله المفدى محمد السادس أن يكون، مغرب الكرامة والتقدم، أن يتم فيه الحرص على استكمال بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، ومراكمة المزيد من المكتسبات التي تؤهله للارتقاء بديمقراطيته الناشئة إلى أعلى المستويات، وأن يتحلى أبناؤه من مواطنين ومسؤولين على حد سواء بروح المواطنة والحس بالمسؤولية ومكارم الأخلاق الفاضلة والمبادئ النبيلة، ويجعلون من مبدأ احترام حقوق الإنسان لبنة أساسية في بناء مجتمع تسود فيه قيم الإخاء والعدل والكرامة والمساواة…
إن الدعم الحقيقي الذي يتطلع إليه المواطنون هو السهر على تحقيق التنمية البشرية المستدامة، واحترام كل الضوابط التي تصون كرامتهم، تحفظ حقوقهم وتضمن لهم الأمن والاستقرار. والانكباب الجاد على تفعيل دور المؤسسات الدستورية التي تعنى بحقوق المرأة والأسرة، مكافحة مختلف مظاهر الفساد، جلب الاستثمار والتصدي للمضاربة والاحتكار، التنزيل السليم للمشروع الكبير المتمثل في تعميم الحماية الاجتماعية، النهوض بأوضاع المدرسة العمومية وتأهيل المنظومة الصحية…