ومضتين من ومضات تاريخية ثلاثية الابعاد ( اسبانيا.ايطاليا.الجزائر) ، و قواسمها المشتركة جغرافيا.طاقيا….عنوانها الابرز غاز و الشتاء على الابواب .
بقلم ابو ايوب
التاريخ المشترك بين الدول يلعب دورا كبيرا في مدى التقارب او التنافر بين الشعوب ، و ما لهذا التقارب او التنافر من تأثير على علاقات الدول و الشعوب فيما بينها ، صحيح ان هناك حركية مدية جزرية وفق ما تمليه الظروف ، لكن في المقابل الوضع يتطلب كياسة و نباهة و حنكة و دراية في تناول الاشكاليات و المواضيع المطروحة للنقاش او التي هي موضوع نزاع او سوء فهم …..و قس على هذا، اليس كذلك ؟ .
التاريخ المشترك بين الدول الثلاث تاريخ دموي بامتياز ، اي بما معناه تاريخ استعماري توسعي للسيطرة و الهيمنة و فرض الامر الواقع وفق منطلق مقلوب و فكر مثقوب أسس على قانون القوة بدل قوة القانون احتراما لانسانية الانسان ، كيف ذلك و ما هو الدليل عليه ؟ .
* مدينة نابولي الايطالية مثالا لا حصرا ، و بالرجوع الى التاريخ الذي يتحكم في السياسة و يوجهها اليوم تجسيدا للمصالح الاقتصادية و اساسها الذهب الازرق وفق الحاصل اليوم ، عانت نابولي الايطالية من الاستعمار الاسباني لمدة قرنين من الزمان و التاريخ الدامي، قليل منكم من يعرف هذه الحقيقة و اليكم الدليل ، جغرافيا بالمدينة يطلق عليها الحي او القلعة او ….الاسبانية مرتع لاكامورا ( مافيا دائعت الصيت) ، نابولي اليوم تتكلم لغة بنكهة عبارة عن مزيج بين اللغتين الاسبانية و الايطالية .
* كما القليل منا و منكم من هم على دراية بمعركة نافرين او نافرون بحسب نطق البعض ، معركة بحرية دارت بين البحرية الاسبانية في القرن 17 كحلقة من حلقات حرب ضروس لاحتلال الشواطئ الجزائرية بالابيض المتوسط ، و قد سوغ ذلك بمحاربة القرصنة الجزائرية التي اصبحت تؤرق الححركة التجارية و تفرض مكوسا و اتاوات ….على السفن التجارية. معركة وهران أرخت لهزيمة الملك الاسباني بعدما تكبد خسائر كارثية ، و اكثرها كارثية القاءه للتاج بمياه المتوسط و العودة من حيث اتى .
* هذا الارث التاريخي المشترك الثلاثي الابعاد وفق ما يتطلبه زمكان الصيرورة التاريخية ، افضى اليوم الى شراكة جيوستراتيجية بين الذي عاش الاستعمار و بين الذي تعرض للاطماع بمسوغات محاربة القرصنة و فرض الاتاوات ….. الهرولة الايطالية نحو الجزائر و عقد الصفقات و تعزيز التحالفات ….هي سياسة برغماتية وفق ما تمليه المصالح و سياسة استشرافية للمستقبل و الشتاء على الأبواب .
* تفرد ايطاليا بعدما تبوأت مكانة منصة ايصال الغاز الجزائري نحو المانيا و عموم اوروبا …بدل اسبانيا التي استثمرت ملايير الدولارات في البنى-تحية كمرد حصري للغاز الجزائري ، يعتبر ضربة مشتركة موجعة لم تترقبها او تتخيلها اسبانيا ، و هذا ما افقدها اوراق ضغط جيوستراتيجية كان بالامكان استعمالها سواء ضد المغرب او بعض الدول الاروبية كفرنسا و ايطاليا ، اي بمعنى هي ارادت ان تكون حلقة وصل و منصة انطلاق ( Plate-Form…..) للغاز نحو اوروبا ( التمكن من الثقل الطاقوي و ما يمثله من توازنات في مسرح السياسة الدولية ، اي تعزيز موقعها الجيوستراتيجي السياسي الجغرافي جنوب غرب الحلف الاطلسي و شمال غرب افريقيا .
* التقارب و الانسجام و توافق الرؤى …… بين الجزائر و ايطاليا حد من اندفاعة اسبانيا و وأد حلمها و احبط مسعاها لا سيما بعدما ارتكب الهاوي غلطة عمره السياسي و اعني به سانشيز البهلوان ، و هذا بالضبط ما شجع ماما فرنسا على خطب الود و انتهاج نفس اسلوب ما انتهجته ايطاليا ، و في هذا عزل مباشر و اضعاف للدور الاسباني الذي تضطلع به ضمن المنظومة الاوروبية ، و قريبا ستنضم المانيا الى الركب في سعي الى ضمان وارداتها من الغاز الجزائري بعدما بدأت روسيا في اغلاق الصنابير ( الاقتصاد الالماني الاكثر اعتمادا على الغاز من بين الاقتصادات الاوروبية ، لا سيما في انتاج الكهرباء/ التدفئة/ الانتاج الصناعي…..باكثر من 50%) .
* اوروبا اليوم تتهافت على …..و تخطب ود……من سيزورها ماكرون قبل نهاية الشهر الجاري غشت ، و من المرتقب ان يطير بعدها المضيف الى روسيا في زيارة رسمية بدعوة من بابا بوتين روسيا نكاية في ماما فرنسا ماكرون ، و من غير المستبعد ان يزور الصين كذلك استكمالا للسمفونية ، في الوقت الذي يسجل فيه غياب الغائب المتيم بعطور فرنسا .
* كما تجدر الاشارة الى ما تم تغافله او تجاهله او التغاضي عنه من قص اجنحة فرنسية نفذتها روسيا و الجزائر بمالي بما يشمل دول الساحل و الصحراء ( تفكيك فرنسا لاكبر قاعدة عسكرية لها بافريقيا بغاو شمال مالي كانت تظم اكثر من 3000 عسكري و ترحيل البعض منهم نحو جنوب النيجر و ساحل العاج ( البعض يقول بتأمين خط الغاز النيجيري الذي يمر عبر النيجر و الجزائر نحو اوروبا )، و هذا في حد ذاته تقليم لأضافر المحتمين بمن قصت اجنحتهم .
* تلاقح الجغرافيا السياسية و الجغرافية التاريخية وفق لغة المصالح الاقتصادية يحتم بالضرورة الاصطفاف و اتخاذ موقف واضح و صريح ، حيث لا مكانة للغة العاطفة و الصداقة و الاعتراف و ما يتبعه من كلمات فضفاضة ، السياسة فن الممكن و بلغة المصالح ، فلا عداوات دائمة و لا صداقات تعود الى ازمنة غابرة ، و نتاج التلاقح هذا ما نشهد اليوم اصطفافاته و هرولاته و مقاصده و مراميه ، و من يملك الغاز اليوم يتحكم في النواصي و الشتاء على الابواب.
فمن منا اليوم لا زال يتذكر المثل الشعبي ( الحر بالغمزة و العبد بالدبزة) ، او كما قال احدهم ( ما يجيك من الشرق غير لعجاج و الشيح و الريح ) او بماذا اجاب الاخر ( لي يجيك من الغرب ما يفرح القلب ) ، او كما سماه المفكر الانجليزي كارل بومبر ذ العلوم الاجتماعية بجامعة لندن بعقم المذهب التاريخي ، في حين خصه الشاعر ببيت ( ما قيل كما قيل…..فقد مارس الناس الاباطيل ) ، فهل فهمتم القاسم المشترك بين الجغرافيا و التاريخ الاستعماري المشترك ثلاثي الابعاد بعدما اصبح اليوم ثنائي الابعاد بين المغرب و فرنسا التي و على ما يبدو تخلت عنا ؟ .
انعمتم مساءا كما أستودعكم في حفظ من لا تضيع ودائعه ……