اسماعيل الحلوتي
قبل أن يستفيق المغاربة من وقع الضربة القوية والمؤلمة التي تسببت فيها عودة جمهورية كولومبيا في أمريكا اللاتينية إلى الإعلان عبر بيان صادر يوم الأربعاء 10 غشت 2022 عن وزارة خارجيتها حول استئناف العلاقات مع ميليشيا البوليساريو الانفصالية التي ظلت مجمدة منذ سنة 1985، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية، مباشرة بعد وصول أول رئيس يساري إلى الحكم في تاريخ البلاد، وهو “غوستافو بيترو أوريغو” الذي جرى تنصيبه رئيسا رسميا للبلاد يوم الإثنين 8 غشت 2022، بعدما كانت كولومبيا من بين أكثر البلدان الصديقة المدافعة عن الموقف المغربي من النزاع المفتعل حول الصحراء.
فإذا بهم يتلقون فجأة ضربة أخرى لا تقل إيذاء عن سابقتها، وهي تلك التي تتحدث عن فضيحة أخلاقية من الوزن الثقيل. إذ أنه خلافا لما تداولته بعض المواقع الإلكترونية من أخبار زائفة، فإن الأمر يتعلق بشخصين يعملان في السفارة المغربية في العاصمة الكولومبية بوغوتا وليس ثلاثة أشخاص، كانا قد طلبا يوم الأربعاء 17 غشت 2022 خدمة المرافقة النسائية من عاملتي جنس عبر تطبيق المواعدة “تيندر”، وتم اللقاء بهما في إحدى الشقق، وهناك تعرضا لعملية تخدير وسرقة بعض ممتلكاتهما بما فيها هاتفاهما المحمولان ولوحة رقمية، ليجري نقلهما فيما بعد إلى أقرب مصحة لتلقي الإسعافات الضرورية، بعد أن لاذت المرأتان بالفرار قبل وصول الشرطة.
وهي الفضيحة التي أثارت حفيظة الكثير من المغاربة الذين لم يتأخروا في التعبير عن امتعاضهم الشديد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلتهم يستنكرون بشدة مثل هذه السلوكيات الرعناء التي لا تضر فقط بالسفارة المغربية هناك في بوغوتا، بل تمس كذلك بسمعة المسؤولين المغاربة في الخارج وتسيء إلى صورة المغرب. ويوجهون انتقادات شديدة اللهجة للدبلوماسيين المتورطين، رافضين استنزاف المال العام في الليالي الحمراء بالعواصم الأجنبية، فيما غالبية أبناء الشعب يعيشون الفقر المدقع.
وتفاعلا مع ما عبر عنه المواطنون من شجب وتنديد بالفضيحة، دخل على الخط وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة وقام باستدعاء المعنيين إلى الرباط فورا، للمثول أمام أنظار المجلس التأديبي على صعيد الإدارة المركزية، واتخاذ ما يلزم من قرار مناسب في حق المتورطين بسبب ما اعتبره “إساءة للوزارة” فقط، بينما هو في واقع الأمر إساءة كبرى للمغرب والمغاربة. وفي نفس السياق كشفت مديرة الدبلوماسية العامة والفاعلين غير الحكوميين بذات الوزارة، عن أنه وبناء على قرار المجلس التأديبي تم فتح تحقيق عاجل من أجل الوقوف على ملابسات الواقعة، تمهيدا لما يمكن أن يترتب عن ذلك من إجراءات قانونية مناسبة والواجب تطبيقها، وليس من المستبعد أن يقود البحث التفصيلي إلى الفصل النهائي من العمل والنظر كذلك في إمكان ملاحقتهما قضائيا، إن اقتضت الضرورة ذلك.
وبصرف النظر عما تم ترويجه من حكايات على شبكات التواصل الاجتماعي حول تورط المخابرات الجزائرية في نسج خيوط هذه الفضيحة/المؤامرة، بدعوى أن عناصر البوليساريو والموالين لكابرانات الجيش الجزائري منتشرون في دول أمريكا اللاتينية، ويعملون في التجسس وتبييض أموال المخدرات… ولاسيما أن انتشار خبر “فضيحة بوغوتا” تزامن مع إعلان دولة كولومبيا التي تجمعها بالجزائر روابط صداقة قوية عن إعادة علاقاتها مع الجمهورية الصحراوية الوهمية.
فإن فضيحة العاصمة الكولومبية ليست هي أول فضيحة أخلاقية ينتمي أبطالها إلى السلك الدبلوماسي، فقد أعادت إلى الأذهان سلسلة من الفضائح التي يحفل بها سجل “سلك الخارجية” لبلادنا. إذ سبق لكثير من “الدبلوماسيين” المغاربة أن تورطوا في فضائح أخلاقية أو اقترفوا أخطاء بروتكولية كلفتهم الإعفاء من مناصبهم السامية، مما يطرح عدة تساؤلات حول المعايير والأسس المعتمدة في انتقاء الأشخاص المرشحين لتحمل مثل هذه المسؤولية. ويحضرنا في هذا الإطار وعلى سبيل المثال لا الحصر واقعة الشجار التي حدثت خلال حفل أقيم في صيف 2009 على هامش مهرجان الفنون التشكيلية بمدينة البندقية الإيطالية بين زوجة الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية والتعاون حينها، وزوجة سفير المغرب في إيطاليا آنذاك نبيل بنعبد الله الأمين العام الحالي لحزب التقدم والاشتراكية. والفضيحة التي فجرها القضاء الأمريكي في وجه دبلوماسي مغربي سابق في نيويورك، حول توقيف طليقته بتهم الاتجار في البشر والتزوير في عقود عمل وأفعال أخرى. وكيف أن صلاح الدين مزوار وزير الخارجية والتعاون آنذاك، وصف نظيرته السويدية أمام آلاف المشاهدين لقناة تلفزية وطنية بكونها “تهزات وتفعفعات” لما سمعته منه أثناء جلسة دبلوماسية جمعت بينهما لمناقشة عديد القضايا ذات البعد المشترك، ومن بينها قضية الصحراء المغربية…
إننا وأمام هذا السيل من الفضائح الأخلاقية والأخطاء البروتوكولية التي تسيء إلى بلادنا ومواطنينا، نرفض بقوة الاستمرار في التساهل مع أي كان للالتحاق بالسلك الدبلوماسي في سفارات وقنصليات المملكة المغربية، حيث لا بد من توفر الشخص المرشح للعمل بها على بعض الشروط، ومنها مثلا السلوك الحسن، الاحترافية في أداء مهامه، الاستشراف والقدرة على الضبط والتماسك في الأزمات والمواقف الصعبة، التكتم والاحتراس والحفاظ على الأسرار، إجادة التعاطي والتعامل مع ما حوله وما يمتلك من معطيات، وعدم الاستسلام للنزوات والمغريات مهما كانت طبيعتها وقيمتها. وأن يكون في الأخير كما وصفه المستشرق البريطاني رينولد نيكلسون “شخص يتصف بالمصداقية، والدقة، والهدوء، والمزاج، والصبر، والتواضع والإخلاص” ترى هل توفرت مثل هذه المواصفات في بطلي “فضيحة بوغوتا”؟