اسماعيل الحلوتي
أيام قليلة تفصلنا عن نهاية السنة واستقبال أخرى جديدة، نتمناها أن تكون فعلا “سنة سعيدة” ومليئة بالمباهج والمسرات، تنسينا ذلك الجزء المظلم من سابقتها الذي ترك ندوبا عميقة في قلوبنا. وأن يشمر مدبرو الشأن العام عن سواعدهم للعمل الجاد والمسؤول على تدارك النقائص واستثمار المكتسبات، بما يساهم بفعالية في النهوض بالأوضاع المتردية وإعادة البسمة للشفاه التي أذبلها الفساد وسوء التدبير…
وتجدر الإشارة هنا ولو باقتضاب إلى ما خلفته السنة الميلادية 2022 من حزن واستياء عميقين: حزن عن مأساة الطفل ريان ذي الخمس سنوات، من قرية أغران الجبلية التابعة للمدينة الزرقاء شفشاون، التي أبكت الملايين داخل المغرب وخارجه إثر سقوطه في بئر ضيقة وسحيقة، ظل عالقا فيها يقاوم الموت طوال خمسة أيام، دون أن تتمكن عناصر الإنقاذ من إخراجه حيا يرزق رغم كل الجهود المبذولة.
ومن استياء لدى عامة الشعب جراء ما عرفته البلاد خلالها من موجتي جفاف وغلاء غير معهودتين، حرما الكثير من عائلات البوادي والمدن من تأمين ضروريات العيش، بسبب التهاب أسعار المحروقات المتواصل وما ترتب عنه من زيادات رهيبة في أسعار باقي المواد الأكثر استهلاكا، لدرجة أن حليب الأطفال لم يسلم بدوره من هذا الاعتداء الشنيع، الذي قوض القدرة الشرائية لغالبية الأسر المغربية، وأثار الكثير من الاحتجاجات المتوالية في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي أضحت تضج بعديد التغريدات والتدوينات المنددة بالغلاء ومن بينها هاشتاغ “لا لغلاء الأسعار”
غير أنها تميزت في المقابل بما تحقق من نجاحات في توطيد دينامية العمل الدبلوماسي رفيع المستوى داخل المنتظم الدولي، حيث تكلل بالنجاح 51 ترشيحا مغربيا هذه السنة فيما عرفت السنة الماضية 43 ترشيحا فقط، وهو ما يعكس وجاهة استراتيجية الدبلوماسية المغربية، التي أعطت أكلها بفضل التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز حضور المملكة المغربية في المنظمات الدولية والإقليمية وتكريس مكانتها كعضو فاعل ومسؤول في المجتمع الدولي.
وليس هذا وحسب، بل عرفت سنة 2022 كذلك نهضة كروية ساهمت في إشعاع المغرب، حيث أن كرة القدم حققت إنجازات جيدة في عديد المنافسات وبكافة الفئات الصغرى والكبرى. وبدا واضحا للجميع أنها تسير في خط تصاعدي في اتجاه تكريس تطويرها وجعل الأندية والمنتخبات قادرة على مقارعة أقوى الأندية والمنتخبات، سواء على الصعيدين العربي والإفريقي أو على المستوى الدولي. ويعود الفضل في ذلك إلى ما بذل من جهود في السنوات الأخيرة، على عدة أصعدة: جودة البنية التحتية، مراكز التدريب ومؤسسات التكوين والاهتمام بالعمل القاعدي، مما ساعد الفرق والمنتخبات في الإعداد الجيد والعمل وفق ظروف احترافية تضاهي ما تتوفر عليه دول أوروبا…
ففي هذه السنة تحققت إنجازات كروية رفيعة، توج خلالها نادي الوداد الرياضي البيضاوي بلقب دوري أبطال إفريقيا، إثر تغلبه على فريق الأهلي المصري في المباراة النهائية بهدفين نظيفين بالمركب الرياضي محمد الخامس في الدار البيضاء. كما تمكن فريق نهضة بركان من الظفر بلقب بطولة كأس الكونفدرالية عقب تفوقه في المباراة النهائية على فريق “أورلاندو بايرتس” الجنوب إفريقي بالضربات الترجيحية (4/5) بعد التعادل الإيجابي (1/1) في الوقت الأصلي. وفوز نادي الجيش الملكي بلقب دوري أبطال إفريقيا للسيدات بعد فوزه على حامل اللقب فريق “ماميلودي صن داونز” الجنوب إفريقي برباعية نظيفة في الرباط. فضلا عن تتويج منتخب “الفوتسال” ببطولة كأس العرب وبطولة كأس القارات، وتأهل منتخب المغرب للسيدات تحت سن 17 سنة إلى بطولة كأس العالم وفوز منتخب المغرب تحت سن 18 سنة بالميدالية البرونزية في منافسات ألعاب البحر الأبيض المتوسط.
وكان من بين أهم الأحداث الرياضية الكبرى تأهل منتخب “أسود الأطلس” إلى بطولة كأس العالم (قطر 22) بعد انتصاره على منتخب الكونغو الديموقراطية في مباراتي الذهاب والإياب بما مجموعه (5/2) ويضمن مشاركته للمرة السادسة في بطولات المونديال.
بيد أن الأروع من ذلك أنه على عكس المشاركات السابقة، استطاع المنتخب الوطني بعزيمة الكبار والطموح والتفاؤل أن يخطف أنظار العالم ويدحض كل التكهنات التي كانت تتوقع خروجه من دور المجموعات، إذ أبدع وأمتع كرويا وأخلاقيا عبر أدائه الجماعي المتماسك، الروح القتالية، الغيرة الوطنية، الانضباط التكتيكي والبر بالوالدين. وتمكن من نشر الأفراح وإقامة الاحتفالات بانتصاراته المتوالية على أعتى المدارس الكروية الأوروبية، وإبهار العالم بما بصم عليه من قصة نجاح رائعة بعنوان “ديرو النية” من تأليف الناخب الفذ وليد الركراكي. تلك القصة التي دارت أحداثها المشوقة في العاصمة القطرية الدوحة إبان الفترة الممتدة من 20 نونبر إلى 18 دجنبر 2022. تجسدت في ذلك المسار المشرف الذي انتهى ببلوغه نصف نهائي كأس العالم واحتلاله المرتبة الرابعة، ليصنع مجد وتاريخ إفريقيا والعالم العربي…
ولعل التتويج الأكبر الذي سيظل راسخا في البال وتتغنى به الأجيال، هو ذلك الاستقبال الأسطوري الذي حظي به منتخب الأسود من لدن الجماهير الشعبية العريضة وملك البلاد محمد السادس عصر يوم الثلاثاء 20 دجنبر 2022، انطلاقا من مطار سلا-الرباط وصولا إلى القصر الملكي، حيث تم توشيح صدور الأبطال بأوسمة ملكية أمام أعين أمهاتهم اللواتي حضرن إلى جانبهم. وهو الحدث التاريخي الهام الذي واكبته مختلف وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الوطنية والدولية بتغطيات وصور وفيديوهات خالدة، لما يحمل من دلالات عميقة حضاريا وثقافيا ومؤسساتيا.