اسماعيل الحلوتي
أكاد أجزم بأنه لم يعد بيننا أحد يستطيع أن يتكهن بما قد ينتهي إليه مصير وزير العدل والأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة” عبد اللطيف وهبي، الذي وجد نفسه فجأة في قلب زوبعة غير مسبوقة بدون سند من أعضاء الحكومة، وبات “التيار الكهربائي” الذي يربط بينه وبين جل أعضاء المكتب السياسي للحزب مهددا بالانقطاع، بسبب تداعيات مباراة نيل الأهلية لولوج مهنة المحاماة، التي جرت يوم الأحد 4 دجنبر 2022، وجاءت نتائجها ليلة الجمعة 30 دجنبر 2022 مخيبة لآمال آلاف المشاركات والمشاركين، لما شابها من اختلالات وفساد ومحسوبية وغياب الشفافية والنزاهة…
إذ أنه فضلا عما خاضه من حروب منذ تقلده منصب وزير العدل، وخاصة في الشق المتعلق بالمباراة السالفة الذكر، التي أثارت نتائج الامتحان الكتابي استياء عارما وردود فعل غاضبة، لاسيما بعد ظهور أسماء مقربين من وكلاء عامين وقضاة ومحامين ومسؤولين وبرلمانيين بمن فيهم ابنه، ضمن قائمة الناجحين، حيث احتدم النقاش بين الفاعلين السياسيين والحقوقيين، الذين ضموا صوتهم للطلبة الراسبين من أجل فتح تحقيق في النازلة…
وبعيدا عما خلفته تلك النتائج “المشبوهة” من انتقادات واحتجاجات، تعبيرا عن استنكار المتضررين لما تعرضوا له من “إقصاء طبقي واجتماعي”، وتعالي الأصوات المطالبة بإلغاء الامتحان وإقالة وزير العدل عبد اللطيف وهبي المثير للجدل، الذي أبى إلا أن يستفز مشاعر المواطنين بخرجاته الإعلامية غير المحسوبة العواقب، وخاصة ما جاء على لسانه من تصريحات تتعارض مع واجب التحفظ، وهو يرد بكل صفاقة وتفاخر عن سؤال حول نجاح ابنه، حيث قال: “ولدي عندو جوج إجازات وباه لاباس عليه وقراه في مونريال بكندا”، واستمر في دفاعه المستميت عن مصداقية المباراة ونزاهة اللجنة التي أشرفت على تنظيمه المتكونة من خيرة القضاة، وعن عملية التصحيح التي تمت عن طريق الآلة وليس من قبل الإنسان، وبمراقبة تسعة أشخاص من الصعب عليهم جميعا الاتفاق والتدخل في النقط الممنوحة.
وإلى جانب رفضه القاطع لفتح تحقيق حول هذه النتائج، التي أسفرت عن نجاح 2081 متباريا فقط من بين أزيد من 70 ألف متباريا اجتازوا الامتحان الكتابي، بدعوى أنه ليس هناك من جريمة تقتضي إجراء تحقيق حولها، ولا يمكنه القيام بذلك استجابة لطلب أشخاص يقضون أوقاتهم في المقاهي، ويكتبون تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا على أن اللجنة المشرفة ضمت قضاة من النيابة العامة والرئاسة وغيرهم.
فإن الأمين العام لحزب “التراكتور” ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي خرج علينا قبل أيام قليلة خلال الجلسة العمومية الأسبوعية للأسئلة الشفوية التي انعقدت يوم الإثنين 26 دجنبر 2022 بمجلس النواب، مهددا ومتوعدا “المشهرين” بعقوبات صارمة ومشددة، خاصة بعد واقعة التشهير التي استهدفت لاعب المنتخب الوطني الأول لكرة القدم زكرياء أبو خلال. حيث أنه انتقد عمليات التشهير وتشويه سمعة الأفراد على شبكة التواصل الاجتماعي، مشددا على أن مشروع المراجعة الشاملة لمجموعة القانون الجنائي، تضمن عقوبات قاسية في حق كل من ثبت تورطه في ارتكاب فعل التشهير على منصات الأنترنت والوسائط الاجتماعية…
بيد أنه عوض أن يكون قدوة للآخرين في تحاشي التشهير، وهو الذي يعرف أكثر من غيره أن القانون المغربي يعاقب على هذا الفعل الشنيع الذي يضر بحياة الأشخاص، أقدم في واضحة النهار على الإساءة إلى مجموع الراسبين في مباراة المحاماة، حيث أنه وفي برنامج تلفزيوني تحت عنوان “مع الرمضاني” يبث مساء الأحد على القناة الثانية، وفي حلقة يوم 8 يناير 2023 صرح مرة أخرى وتأكيدا على ما سبق بأنه على أتم الاستعداد لنشر نتائج المتبارين الناجحين والراسبين في المباراة. فأي تناقض صارخ أكثر من أن ينهى الوزير وغيره من المسؤولين على فعل ذميم، ويأتي مثله أو ما هو أخطر منه؟
ولعل الأفظع من ذلك فيما اعتمده وزير العدل وهبي من إشهار سلاح “التشهير” في وجه المشككين في النتائج لتكميم الأفواه والهروب إلى الأمام، هو أنه صرح في ذات اللقاء التلفزيوني بنوع من العجرفة بأنه يقوم شخصيا بإجراء البحث في كل الحالات التي يشتكي أصحابها من الظلم، دون أن يجد ما يخالف النتائج المعلن عنها. وكذا ما صدر عنه من هجوم عنيف على إحدى المترشحات التي ظهرت في مقطع فيديو تنتقد طريقة إجراء الامتحان وافتقاره إلى النزاهة والمساواة. حيث قال باستخفاف تام ودون أدنى تحفظ “هاذيك اللي كانت تتغوت بزاف، طلبت الورقة ديالها ولقيت عندها نقطة، خليها على الله”. فحتى لو افترضنا جدلا أنه اطلع بالفعل على “ورقة الامتحان” وتأكد له أن نقطتها “ما فيها ما يتشاف” أو كما وصفها “خليها على الله”، فمن رخص له بالكشف عن النقطة المحصل عليها دون إذن من صاحبتها؟ وهل يحق له استغلال منصبه في ممارسة العنف اللفظي وتصفية حساباته مع من يخالفونه الرأي والتشهير بهم؟
إنه لمن المؤسف حقا أن يبتلي الله دولة يقال عنها إنها “دولة الحق والقانون” بوزير للعدل، لا يقيم للعدل وزنا علما أنه يفترض فيه أن يتحلى بالحكمة والتبصر وحسن الإصغاء والتواصل الإيجابي، حيث أن من واجبه حفظ حقوق الناس، وترسيخ مبدأ العدالة بين المتقاضين، وتكريس قيم وأخلاقيات العمل القضائي ورعاية نظمه، من الحرص الشديد على الارتقاء بمستوى الأداء وخدمات الجهاز القضائي وغيره، عوض الاعتداء على حقوق الآخرين وامتهان كرامتهم والتشهير بهم.